العراقيون طووا عهوداً من الظلم والطغيان والدكتاتورية المقيتة وأسسوا عهداً جديداً من العدل والحق في نظام ديمقراطي مبني على إحترام الحريات والمساواة بين أطياف الشعب العراقي بعيداً عن الطائفية والعنصرية. وبتشكيل الحكومة الدستورية والبرلمان الوطني الدائمين يكون العهد الجديد قد صار حقيقة تمشي على الأرض وواقعاً ملموساً وحقاً ثابتاً لا يمكن إنكاره أو تجاهله، ولا تربطه أية صلة بعهود الظلم والتعسف الشوفينية التي تعاقبت على حكم العراق منذ تأسيسه، فمن يريد المشاركة في بناء العراق، وتهمه مصلحة هذا البلد الجريح وشعبه الصابر ان يضع نصب عينيه هذه الحقيقة: ألا وهي حقيقة أن عجلة العراق لن تعود الى الوراء بعد هذا التغير الشامل، وأن العراق قد دخل مرحلة تأريخية جديدة من عمره العتيد، مرحلة البناء الديمقراطي الحر المستقل، لا مكان فيه للإنقلابات وفرض الآراء تحت سطوة المدافع والمشانق، عراق يعتمد أبناؤه الحوار الهادئ البنّاء وتقبّل الرأي الآخر كطريق يسع الجميع على أسس تحترم كرامة الجماهير وتعطيها فرص التعبير عن رأيها بعيداً عن أساليب القمع والخوف والإضطهاد، فعراق اليوم يسع الجميع لا تهميش ولا إقصاء ولا إمتهان فيه لأحد. كما أنه يحتاج الى جهود جميع أبنائه من أجل بناء إنسانه وأرضه وإعمار خراب العهود السود الماضية. والآن وبعد ان أدت الجماهير العراقية الصابرة ما عليها، وتجشمت عناء ومصائب سنوات متتالية من فقدان الأمن والخدمات، والعيش المرعب تحت مفخخات وعبوات الإرهاب وتفشي الفساد الإداري والبطالة، مع هذا كله، مضافاً لمعاناتها طيلة حقب السلطة الصدامية الجائرة، لكن هذه الجماهير الكادحة الصابرة أصرت على إنجاح عملية التغيير والسير بها الى شاطئ الأمان، والتفّت حول قياداتها السياسية وحركاتها الوطنية مؤجلة مصالحها وأمانيها حتى هدوء العاصفة ومرور الموجة، فركبت المخاطر متحديةً قوى الظلام والخراب وسارت على أرض مفخخة ملغومة بالموت والهلاك وتحت سماء تمطر حمماً وقذائف- مسجلة مسيرات كبرى في تاريخ الإنسانية في أوسع مشاركات إنتخابية شهدها العالم المتحضر أذهلت الأعداء وأسرت الأصدقاء برغم كل الظروف والمخاطر التي اكتنفتها، وبرغم كل المؤامرات التي حيكت لإفشالها وتخريبها، وجماهير بهذا الصبر والصمود والإصرار، وبهذا التحدي والإخلاص لا بد ان تحتضنها قيادة، تكون بمستوى إصرار وثبات شعبها ووفائه ومن هنا يتوجب على الكتل والإئتلافات ان تقف متماسكة للنهوض بالعراق من جديد وإنهاء معاناة هذا الشعب الذي ضرب أروع الأمثلة في الصبر والتحمل والتضحيات.