17 نوفمبر، 2024 9:52 م
Search
Close this search box.

ثلاثون عاما في حب رجل متزوج

ثلاثون عاما في حب رجل متزوج

أن تقضي امرأة عمرها كاملا في حب رجل تعرف أنها لن تمتلكه يوما، شيء يشبه الحياة من أجل الحياة، شيء خارق وفريد، وتجربة لا يدخلها إلا الشجعان.

أيا كانت تجاربنا في الحياة فإن هناك دائما تجارب أقوى وأكثر عمقا وأصدق من تجاربنا، لذلك يجب أن لا نكف عن الدهشة والفضول لأنهما ما يمنحاننا القدرة على استشراف ما هو جديد ومثير.

في كل يوم أصادف بشرا، وحكايات مختلفة، وكثيرا ما أنبهر أمام قدرة الإنسان على تحويل حياته إلى واقع جمالي أخاذ، أو خنقها وتدميرها. هناك دائما النقيض ونقيضه وكلاهما ضروري كما نعرف، لأن ما فائدة الشيء إذا لم يكن هناك ما يناقضه ويكسبه قيمته بفعل التضاد.

حدثتني جليستي هذه المرة، وهي امرأة مثقفة وأكاديمية مرموقة، أنها عاشت ثلاثين عاما كاملة في حب رجل متزوج، حبا لا يتوقف يوما واحدا عن الجريان في كل عرق من عروقها. لم تتزوج ولم تنجب، ولم تطلب منه أن يطلق زوجته أو يترك أبناءه، ولم تنتظر يوما أن يتزوجها، اكتفت بحبه لها كل هذه السنوات دون مطالب أو شروط كثيرة.

عندما سألتها إن كانت تشعر بالندم على ضياع العمر دون زواج وأبناء فاجأتني بقولها: ولماذا أضحي بعلاقة عميقة على هذا النحو من أجل زواج قد يستمر سنة أو سنتين ثم ينتهي؟

أن تقضي امرأة عمرها كاملا في حب رجل تعرف أنها لن تمتلكه يوما، شيء يشبه الحياة من أجل الحياة، شيء خارق وفريد، وتجربة لا يدخلها إلا الشجعان، لأن معادلة الخسارة والربح فيها مفقودة تماما. فهذه السيدة لم تتوقف يوما لتحصي خساراتها في هذه العلاقة وهي كثيرة بالتأكيد وأولها أنها حرمت من الأمومة، أو لتحصي أرباحها وهي أيضا كثيرة، وأولها أنها خبرت حبا جارفا كل يوم وكل لحظة على مدى ثلاثين عاما.

الحب من أجل الحب تجربة صوفية عميقة لا بد أن لها متعتها. وهذا ما أكدته جليستي أيضا، لكن ماذا عن باقي متع الحياة؟ هل يكفي حب رجل ليكون هدفا لحياتنا؟ وماذا عن باقي أنواع الحب، حب الأم لابنها؟ حب الأحفاد؟ ماذا عن متقاطعات الحياة ومتشعباتها؟

شخصيا لا أعرف إن كان ما فعلته هذه السيدة صحيحا، ولست في مقام يخول لي الحكم على تجارب الآخرين بالصحة والخطأ، فالأخطاء أيضا مهمة، لكنني أحترم مثل هذه التجارب لسببين على الأقل:

السبب الأول هو ندرتها وقيمتها القياسية كتجارب فريدة ومميزة خرجت عن الصندوق ورغبت في أن يكون لها منطقها الخاص، ولهذا فهي تجارب جميلة، بمعنى جمالية التفرد.

السبب الثاني هو مجموع القيم التي تحملها مثل هذه التجارب وتعلي من شأنها، مثل قيمة التضحية، والحب، والتخلي، والرضى وغيرها، وهي قيم عالية، خصوصا إذا أغنت صاحبها وأثرت من حياته.

العشيقة، ذلك الكائن القبيح الذي يهدد البيوت ويشرد الأبناء ويشتت العائلات، تحولت في قصة جليستي إلى كائن جميل، مضح، ومساعد للعائلة، فقد أخبرتني أنها حافظت على عائلة الرجل الذي تحبه أكثر منه، وأنه كلما فكر في ترك أبنائه أو زوجته هددت بتركه، وعندما ماتت زوجته مؤخرا، رفضت أن تتزوجه حفاظا على ذكراها واحتراما لها.
تضعنا هذه التجربة مباشرة أمام دراما الحياة، وأمام جدلية الخطأ والصواب، الحق والباطل، الحب والكراهية، التضحية، والتملك، وتقلب تصورنا عن أشياء كثيرة رأسا على عقب، لذلك فهي مهمة ولذلك نحن نحتاجها.

نقلا عن العرب

أحدث المقالات