23 ديسمبر، 2024 7:53 م

لينين بين الحَظْ وبالَبخت ؟

لينين بين الحَظْ وبالَبخت ؟

في نوادر قصص النضال الشيوعي في العراق حكايات كثيرة وأجملها من يرتديَّ ثوبه الريفي حيث تتفاجيء بساطة وبراءة وفطرية المنتمين الجدد الى التنظيمات التي حرص على تأسيسها وادامتها معلمو مدارس الارياف والاهوار وغيرها من الاماكن.

بعض هذه القصص بسبب طبيعتها ونقاء روح حاملها تذهب الى شيء من الأسطرة في أثناء تداولها بين الناس وتغير مضمونها ومكانها ، ولكنها في اغلبها حكايات واقعية كأن يسأل احد الفلاحين من المنتمين الجدد الى اليسار العراقي من قبل مسؤول الخلية السؤال التالي : أين وصلت الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي ، فيجيب الفلاح : الى سقف الطوفه يا رفيقي ( والطوفه بلهجة اهل الريف هو الجدار الطيني الذي يسور البيت ) .

فيتعجب المسؤول ويسأله كيف تعتقد هذا ، فيما هي وصلت الى القمر حين ارسل الروس مركبتهم الفضائية ( لونخوذ ) ؟

 فيرد الفلاح :رفيقي الاشتراكية بالنسبة لي هي طوفة بيتي التي ابنيها الآن ،اينما يصل بناءها تصل الاشتراكية.

طرفة أخرى لا أنساها حين نُظم شغاتي في ليكون أول سياسي في القرية الهادئة التي لم تتخيل في يوم ما أن كراسات ماركس ولينين ومجلة الصين اليوم تصلها ، يقرأها المعلمون في الخلسة والعلن ويحاولون أن ينقلوا هذه المبادئ لحياة الناس ، فلا يجدون ما ينفعهم  منها الكثير ، لأن الاشتراكية هنا موجودة بفطرة المكان منذ أن حمل امير السلالة الثالثة أور ــ نمو طاسة الطين على رأسه ليشارك عمال البناء في بناء اول معبد شاهق في التأريخ ( زقورة أور ) والى اليوم الذي انتمى فيه شغاتي ليكون شيوعيا وعليه أن يذهب كل يوم الى قضاء الجبايش لحضور الاجتماع في الحلقة الحزبية المتكونة من 8 افراد من قرى مختلفة ، وكان الاجتماع يقام في اكمة من القصب في ضواحي المدينة خوفا من الامن والشرطة والمخبرين.

وحتى دون أن يخبر زوجته أم مكسيم عن سبب سفره الحقيقي ، يطوي شغاتي اوراقه أول الصباح يخبئها في كيس من القماش وقبل أن تستيقظ القرية يأخذ زورقه متوجها الى مركز القضاء ويخبرها انه يذهب لإيصال البريد ، فتتعجب وتقول : لماذا في هذا الوقت من كل اسبوع يكون بريدك ، وخصوصا عندما سمعت أن زميله ريكان ينوي بالزواج من امرأة ثانية تعرف عليها صدفة في سوق الجبايش.

يقرأ شغاتي شكَ زوجته ، ويقول لها :نعم تعرفت على امرأة ثانية أسمها اشتراكية ، لكِ ستة ايام في الاسبوع ولها يوما واحدا.

يومها هرعت اليَّ المسكينة مذعورة وهي تندب حظها وحكت لي قصة اشتراكية التي تزوجها في قضاء الجبايش وربما بنى لها بيتاً .

ضحكت وقتها واخبرتها لتطمئن إن اشتراكية التي يقترن بها شغاتي ليس امرأة وإنما هي فكره تطور حياتكما العائلية نحو الأفضل.

فصدقتْ وعادت مطمئنة ولم تعد تسألهُ مثل كل مرة.

ذات يوم عاد شغاتي وثيابه كلها ملطخة بالطين ويضحك بقوة .جعلتني انتبه وأسأله ؟

قال : اليوم واثناء الاجتماع الحزبي داهمنا رجال الامن وهربنا ركضا كل إلى جهة ، وكان معنا أسماعيل الفراش السمين في المدرسة الاسدية ، ركض معنا ولكن بصعوبة وحين وصلنا الى ساقية نشف فيها الماء ولم يكن فيها سوى الطين عبرناها نحن قفزا ، اما هو لأنه سمين لم يستطع ، فشاهدته يلتفت حائرا يمينا وشمالا ، وربما يتذكر مقولة طارق بن زياد : البحر وراءكم والعدو امامكم فأين المفر . عندها اغمض الرجل عينيه وقال : نجفت ( أي ندخل في الطين ) عساها ببختْ لينين وحظه .