نهاره صيام، وليله قيام، شهر فيض الرحمة، وإقالة العثرة، جامعة ننهل منها الدروس، وتأنس به النفوس، فرحة المؤمنين، وسراج العابدين، ومصباح الزاهدين، وقنديل الشاكرين، وبشرى الصالحين، إنه رمضان شهر العبادة والطاعة، خير الشهور، يفيض بالنور، حيث ليلة القدر، ونزول الفرقان، شعاره القرآن، ودثاره الغفران، تغلق فيه أبواب الجحيم، ويسدل الستار عن جنات النعيم، فهلموا الى طاعة الرحمن، في شهر الإيمان.
كم من صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس من قيامه إلا العناء، فأوصى النبي (عليه السلام وعلى أله)، جابر الأنصاري فقال: هذا شهر رمضان، من صام نهاره، وقام ورداً من ليلته، وصان بطنه، وحفظ لسانه، لخرج من الذنوب، كما يخرج من الشهر، فقال جابر: يا رسول الرحمة، ما أحسنه من حديث! وما أصعبها من شروط!
الصوم ليس من الطعام والشراب، بل عبادة روحية، لها دوافع دينية، وسياسية، وإجتماعية، وإقتصادية، فرضها البارئ (عز وجل) على المسلمين، من أجل الحفاظ على أركان الدين، كونه العمود الثاني، من الفرائض الواجبة على المستطيعين، فلا تكلف نفس إلا وسعها، وبذلك تحفظ الرسالة الإسلامية، وتصان أحكامها، وتربى النفس بجوارحها، على تجنب المحرمات، والمكروهات على حد سواء، فإياك ان تكون من الغافلين.
الدافع السياسي لشهر رمضان المبارك، هو اجتماع الناس، في أماكن العبادة، والتداول في أمور الدولة، وموقف الناس من سياستها، وهذا يعني التفاعل مع الحكومة، لخلق رأي عام موحد، يكون محتواه في مصلحة الشعب نحو الأفضل، لما فيه خيرهم جميعاً، إضافة الى إدراك أهمية توحيد الكلمة والصف، في هذا المحفل النوراني، المفعم بالإيمان والتقوى، من خلال التواجد في هكذا أماكن مقدسة.
دافع إجتماعي، يطل علينا في هذا الشهر الكريم، بوصفه لقاء أسري لطيف، يجمع الاهل والاقارب، بما يوطد العلاقات الاجتماعية، ويزيد من اللحمة العائلية بين أبناء الوطن، فالتجمع الرمضاني الملتزم، بأعمال وطقوس رمضان المبارك، كقراءة الأدعية، وصلوات الأيام والليالي، سيضفي ألقاً ربانياً عليهم، بالإستغفار وإجابة الدعاء، كما هو الحال في تنمية الأواصر الاجتماعية، عند لقاء مجموعات بشرية كبيرة نسبياً، في المحاضرات الدينية.
الدافع الاقتصادي لشهر رمضان، يكمن في التقارب بين الأغنياء المترفين، وبين الفقراء الذين يشعرون بالكرامة وعزة النفس، فلا يفطرون مثلما يفطر ميسورو الحال، وعليه تقع مسؤولية الإنتباه الى هذه الفئة المتعففة، فيشع الغني تواضعاً للعزيز، الذي منَ عليه بالخيرات، وأعطى حق إخوانه في الشهر الفضيل، بما ينسجم وتعاليم ديننا السمحاء، وما أكثر المبادرات التي وثقتها موائد الإفطار الجماعية، طلباً للثواب والوئام.
الإقبال الروحي على شهر العبادة، واللقاء مع رب العالمين (عز وجل)، في حضرته القدسية، له هيبة ما بعدها هيبة، لأن المفتوح أمامك، هي أبواب السماء والجنان، فيا صائمين: فأجعلوا أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم عبادة، وعملكم مقبول، ودعاؤكم مستجاب، بنيات صادقة، وقلوب طاهرة، وأحفظوا ألسنتكم، وأسماعكم، وأبصاركم، وترفقوا بفقرائكم، ومساكينكم، والبركات مرهونة بأعمالكم، وخففوا أثقالكم، بكثرة سجودكم، فما أحسن الحديث، وأصعب الشروط!