{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
طرق تنظيم شعبة شارع فلسطين لحزب البعث المنحل، باب بيت الشهيد عبد الصاحب جراغ علي سعيد ولي، منتصف ليلة من أيام 1982، يطلبون منهم مراجعة دائرة الاجانب المقيمين في العراق!
لاجدوى من الإستغراب، فكل كردي فيلي، بنظر الطاغية المقبور صدام حسين (عجمي) وكأن العراق للعرب فقط، لا شركاء للديكتاتور في الوطن، وما عدا أتباعه الكل عرضة للإقصاء…
من دون ان يفقه بأن “لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى”.
طير شائه
عشرة من أفراد العائلة سفروا، والشهيد عبد الصاحب ووالده جراغ، ألزموا بالمكوث فيه، كمواطنين أجانب، تنكيلا خبيثا لتفتيت العائلة، قسرا مأساويا يفتت الصخر.
ولد العام 1958.. حاصل على بكلوريوس علوم فيزيائية، عمل بموجبها مديرا للشؤون التجارية في مجمع الإسكندرية، التابع لوزارة الصناعة والمعادن.
مكث هو ووالده، في العراق، مجردين من مواطنتهم، وباقي العائلة سفرهم صدام الى إيران، وانقطعت أخبارهم.. المهجرون أبيدوا عن بكرة ابيهم.. أكلتهم الضواري وجمدهم البرد وأنهكهم التعب والجوع والعطش، بعد ان حملتهم شاحنات الى جبل غير مطروق، وأجبرتهم على تخطيه نحو ايران، في واحدة من أبشع جرائم الديكتاتور، التي غض المجتمع الدولي نظرا عنها، متواطئا مع تدفق دولارات العراق من كف صدام الى أصحاب الرأي العالمي.. إعلاماً ومنظماتٍ إنسانيةً و… وسواها.
إشترى السكوت بأموال العراقيين الجياع، يقاتلون إيران من دون سبب ولا قناعة، والمتلكئ يعدم امام باب بيته ويتقاضى من ذويه ثمن الرصاص.
بينما لسان الأسرة الدولية معقود بالعملة الصعبة!
1982
إعتقل عبد الصاحب من دون سبب واضح.. طوته ظلمات الأمن العامة، ماكثا بإنتظار تهمة، طوال 1982.. عام الشؤم على عائلة ولي.
هذا من داخل دهاليز الرعب السرية، أما والده خارج تلك الدوامة، فطرد من عمله، ومن دون سبب أيضا، وخيروه بين السجن او الالتحاق بالعائلة التي لم تصل ايران، إنما لاقت حتفها بين متهات صخور الجبال.
صودرت أملاكهم، وظل جراغ ملتاثا في الطرقات “ريشة يطويها مغزل دوار” الى ان وجد غرفة خربة، تشاطرها مع خاله، في ظروف بالغة الأسى، من دون جريرة يكفرون عنها، ولا إثم يستغفرون له.
الدعوة
قضت محكمة الثورة على عبد الصاحب، بالإعدام، في القضية (161 / 1982) ملفقين له تهمة الإنتماء لحزب (الدعوة) الاسلامية، التي بررت لهم مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة، للمرة الثانية.
يا للسخرية.. القسوة آفة أنشبت أظفارها في وجدان سلطة صدام الصانع لقرارات دولة فظيعة، يسوسها جلاد!
لم تنطوِ قضية الشهيد بموته، فهو ممن خاطبهم الرحمن في محكم كتابه: “ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون”.