مما لا شك فيه ان هناك ارث حضاري لامبراطورية فارس منذ التاسيس وحتى الأفول ابان الفتوحات الاسلامية .. وقد رافق ذلك النشوء سطوة التمدد والهيمنة لاحتلال بلدان الجوار، وتلك الهيمنة كانت سمة من سمات الإمبراطوريات الناشئة في التاريخ آنذاك. حتى جاء الاسلام ،فكان لجيش المسلمين وبأسهم الأثر الفاعل في سقوط الامبراطورية الساسانية الفارسية بعد ان تهالكت ثغورها، وذلك يشكل مرحلة جديدة لانتهاء حقبة الحكم الكسروي .. لذا باتت بلاد فارس تحكم بواسطة مقر الخلافة الاسلامية وما تعقّب ذلك من مدّ وجزّر في سلّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم حتى انتشر الاسلام في أرجائها بحد السيف .. ولكن بقي الحكماء في بلاد فارس ينظرون الى العلاقة العقدية لما بعد الفتح هي زواج بالاكراه لان العرب بعد الفتوحات أصبحت لهم نظرة فوقية على الأعاجم وقد انحصرت الوظائف العليا للخلافة والولاة بالعرب والأكثر تميزا هم القريشيين .. الا ما ندر من تولي بعض الأعاجم للوظائف بمقر الخلافة جاء بفترات محدودة ولأسباب يقدرها الخليفة حينها وغالبيتها تنتعش لفترات محدودة ثم يأفل نجمها بالقتل والدمار مثلما حدث للبرامكة انموذجا.
لكل ما تقدم توطئة لموضوع تقافز للاستخدام بشكل متسارع لاحياء شخصية تاريخية كأبي مسلم الخراساني وتغافل ولائها لبني العباس الذي تعتبرهم ولاية الفقيه هم قتلة الأئمة المعصومين كما جاء في روايات تصوب أصابع الاتهام لقتل الامام موسى بن جعفر (ع) من قبل الخليفة العباسي هرون الرشيد او لما قام به ابو مسلم الخراساني من جرم بشع في قتل الثائر الهاشمي الشاعر عبد الله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب (ع) ، والقائمة تطول.
انا لست ضد رواية البطل في الموروث التاريخي للشعوب ..
ولكن التسائل الذي يطرح نفسه:
هل ارتدّت المضامين الفكرية في ذهنية الفتى الفارسي؟
حتى شعر بالغبن من سطوة الهيمنة الفكرية الاسلاموية ذات الطابع العربي التي صاحبت انتقال الاسلام لبلاد فارس بحد السيف والاحكام القرآنية بكتاب الله الذي تنزّل بلغة عربية لا يتمكن من قراءته الا نَفَر ضئيل من السكان لعدم تعلمهم اللغة العربية واعتزازهم التاريخي بلغتهم الفارسية الام .. لنجد الان تبلورا لذلك الموروث يجعل من ابو مسلم الخراساني بطلا يقتدى به حتى ان الفرق الرياضية الحالية في دوّر النخبة تسمى باسمه وكذلك نخبة الفرق العسكرية الوافدة للقتال في العراق لدخول سامراء (سر من رآى) تكنى بكنيته.
واذا اخذنا الواقعة التاريخية الذي تكللت بقتل الثائر عبد الله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب (ع) الذي ثار ضد الأمويين في نهايات حكمهم في الكوفة حتى غادر الى خراسان حيث ان ابو مسلم الخراساني الداعية العباسي اعتقله حتى قتله في السجن .. يجدر بِنَا الانتباه الى تسائل طرحه المفكّر الحداثوي اياد جمال الدين في تغريدة له: “@Ayadjamaladdin: الغريب العجيب ، ان حكومة الولي الفقيه في ايران ..
تمجّد ابو مسلم الخراساني المجرم القاتل ، ولا تذكر اسم عبد الله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب ع!!!”
وعلى الرغم من التقاطعات الفكرية لولاية الفقيه في تقييم الدولة العباسية ونبذها استنادا لاحكام السلب لولاية الأئمة المعصومين (ع) .. الا ان ابو مسلم الخراساني الذي برز كجزء فاعل من توطيد أركان الدولة العباسية ظل بطلا في الموروث الثقافي الايراني دون الالتفات الى انه جزء هام وفاعل في ارساء دعائم الدولة العباسية في بلاد فارس.
وبذلك يلاحقنا سؤال اخر:
هل ان العقل الجمعي للشعب الايراني خرج من الانتماء الديني الى الموروث القومي؟
حتى بات ابو مسلم الخراساني الذي لعب على الحبال الاسلاموية السياسية إبان التاسيس للدولة العباسية بات بطلا في ذلك الموروث.
وولاية الفقيه ما عادت مسيطرة على المزاج العام وقد ركبت الموج القومي الجارف ليكون ابومسلم الخراساني هو البطل القومي بغية الرجوع للمدائن بأثواب مختلفة .. وهل ان ما جاء بخطاب القيادي الايراني علي يونسي هو رسالة تبشيرية لقدوم ابومسلم الخراساني لإعادة امجاد الامبراطورية الفارسية.
نبذة مختصرة عن ابو مسلم الخراساني:*
” هو أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم الخراساني، صاحب الدعوة العباسية في خراسان، ومن ثم واليها،سياسي وقائد عسكري.
قيل اسمه إبراهيم بن خكان، وهو حسب الروايات واحد من أحفاد أخر الأكاسرة ـ الذي بدوره تنبأ بعودة الحكم لأحفاده (روى ابن عياش في المقتضب حيث قال: لما جلى الفرس عن القادسية وبلغ يزدجرد بن شهريار ما كان من رستم وإدالة العرب عليه وظن أن رستم قد هلك والفرس جميعا وجاء مبادر وأخبره بيوم القادسية وانجلائها عن خمسين ألف قتيل، خرج يزدجرد هاربا في أهل بيته ووقف بباب الايوان، وقال: السلام عليك أيها الايوان ! ها أنا ذا منصرف عنك وراجع إليك، أنا أو رجل من ولدي لم يدن زمانه ولا آن أوانه. قال سليمان الديلمي: فدخلت على أبي عبد الله فسألته عن ذلك وقلت له: ما قوله: ” أو رجل من ولدي ” فقال: “ذلك صاحبكم القائم بأمر الله عز وجل السادس من ولدي قد ولده يزدجرد فهو ولده”. انتهى ولقد إدعى أنه من العباسين… نسبة إلى بن عباس، ولأجل ذلك قتل. ويكنى أبا إسحاق، كان غلاماً سراجاً، ومن ثم أُرسل إلى ابراهيم الامام ليخدمه، فلمس فيه إخلاصاً، وحماساً، وشجاعة، فقربه، وأمره بتغيير اسمه وكنيته، وأرسله بعدها ليدعوا للعباسيين في خراسان، وأوصاه وصية مشهورة التزم بها.
استمر أبو مسلم في دعوته رغم موت الإمام، ووطأ المنابر للدولة العباسية،حتى قامت في 132 هـ. قتل وعمره 35 سنة. ثارت لمقتله جماعة بزعامة (سنباذ) سنة 137 هـ ولكن لم تلبث أن أخمدت ثورتهم.
التف حوله الفرس والموالي لأعتقادهم انه من أحفاد اخر ملوك فارس، واقتربوا منه فأعجبوا بشخصيته وتبعوه على حداثة سنه. وكان بين القيسية واليمانية في خراسان خلاف وفرقة، فلما رؤوا التفاف العجم حول أبي مسلم اتفقوا عليه لضرب دعوته في مهدها، وقد كادوا يفلحون لولا أن ضربهم أبو مسلم ببعضهم البعض مستخدماً دهاءه وحنكته. مع قيام الدولة العباسية ارتفعت مكانة أبو مسلم، وكان محبوباً من أتباعه ومعظماً بينهم، فخشي منه الخليفة ابوجعفر المنصور، فاحتال لقتله بعد أن أمنه، وقال لأهل خراسان عند ثورتهم لموت أبي مسلم قولته المشهورة: “أيها الناس، لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تسروا غش الأئمة…”
كانت حياة أبو مسلم قصيرة، فقد قتل وسنه اثنان وثلاثون سنة، أو خمسة وثلاثون، لكن المؤرخين يقارنونه بـ الحجاج بن يوسف الثقفي في كثرة القتل، ففي حروبه ومعاركه أفنى خلقاً كثيراً، وكان يأخذ الناس بالظنة، وأجرى مذهب القتل فيمن خالف سلطانه، ولم يكن له صاحب، أو مؤتمن، كما كان لا يضحك، ولا تبدو في وجهه علامات السرور.” * (عن الويكيبيديا بتصرف).
[email protected]