عقود من الزمن والعرب يبحثون عن المخالفات في الأديان، وعن شجرة في عالم لا يعرف لغتهم، عن ما يثبت أن لفظ الجلالة مكتوب على أسوار الغابات، ويتمعنون في البيض؛ علهم يجدون في دماء على قشورها تثبت الوجود الإلهي، وسخروا كتبهم لإيجاد مخارج لإباحة النكاح ونكاح القاصرات، وتحليل قطع الرقاب؟!
يعيش العرب سبات عميق، يدور على السباب والشتائم والتحريض الطائفي، والنعجهية الفارغة، التي تستنزف شعوب حكام كالنعام.
صمدت إيران 12 عاماً من المفاوضات، وضبطت أعصابها بشكل ملفت للنظر، وقدمت للعرب والعالم مثلاً في الصلابة وإدارة التفاوض، ومنهج دولة مؤسسات قائمة على مصلحة إستراتيجية وأبحاث علمية، بعيداً عن التنظير والكذب وهدر المال العام، والإرتباط بالمصالح الخارجية، ولم تتوسل أو تتسول أو تستنزف قدرات شعبها ودولتها بالإستعانة بالأجنبي وسيادة الفساد، ولم تفرض حكماً خارج إرادة شعبها.
ولد الإتفاق النووي الإيراني الغربي؛ ظواهر واضحة للعيان، يبدو إنها فرضت طبيعة الإتفاق من خلال مشاهدة صوره الأولى، وكانت إبتسامة ظريف في المفاوضات أثناء وبعد التوقيع، وغضب وهستيريا إسرائيل، وتصريح نتينياهو بأنه “خطأ تاريخي”، والصدمة والإرتباك الإعلامي والسياسي العربي، عند الدول الخليجية الحليفة لأمريكا، التي إعتقدت أن التصعيد الطائفي، يجعل منها أكثر قرباً من الغرب، حتى تصرفت بعبثية أقرب لدعم الإرهاب؛ الى أن وصل الى أبواب قصور ملوكها.
سؤال لم يجد له عند العرب تفسير، وقد إندكوا في فكر التكفير، وتشبعت مناهجهم ومدارسهم الفكرية والإجتماعية؛ بالدعم والحماية والتنظير، ولم يفهموا الأسباب التي دعت إدارة أوباما للتوقيع والتراجع عن سياسة تدمير البرامج النووية الإيرانية، وتحمل خسائر حاملات الطائرات والمارينز والغواصات النووية.
الجواب واضح من أن أمريكا لا تريد خوض الحرب مع إيران، وباتت تخطط للإنسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، وقد أتعبتها أنظمة عربية لا تستطيع حماية نفسها، وتطلب من الشعوب الأخرى نيابة الحرب عنها، إذا لم يعد النفط هو الطاقة بعد إكتفاء أمريكا ذاتياً، ولأن أوباما حصل على جائزة نوبل للسلم، لذلك تصالح مع كوبا، ويريد عودة العلاقات مع إيران، التي أصبحت حليفة غير مباشرة في الحرب العالمية ضد داعش، وبقى العرب متفرجون، ومستعدون للتضحية بفلسطين، من أجل قناعات وهمية مبنية على أسس طائفية.
إنتقلت إيران بالإتفاق من خانة وصف الغرب لها؛ بالدولة المارقة الشريرة، الى الدولة الطبيعية وربما الحليفة، وبمثابة القطبية المؤثرة، وتأجيل طموح التخصيب وكسب الوقت؛ بالإحتفاظ بأكثر من عشرين ألف جهاز طرد مركزي ومفاعل سالمة، وخبرات تؤهلها لإسئناف برامجها بعد عشرة سنوات، وفرض شروطها على أعمال التفتيش، ومنع لقاء علمائها من لقاء المفتشين كما حدث في العراق، وجميع القيود ترفع بعد إنتهاء المدة، وستحصل على 120 مليار دولار مجمدة، في غضون أشهر، وسيفتح حركة إقتصادية وتجارية تشكل صدمة للخليج، الذي يعتمد على النفط 90%، بينما إيران33%، ما يجعل منها قوة سياسية وإقتصادية تصب في مصلحة معسكرها الأقليمي والدولي.
إن الإتفاق النووي سيعد خسارة وربح في المنطقة، والسعودية والكويت والبحرين ونصف الإمارات في خانة الخاسرة، والرابحة سلطنة عمان وإمارة دبي؛ السلطنة كانت حيادية، ودبي شريان إقتصادي لأيران، والإفراج عن الأموال سيعزز الإستثمارات ويقلل عوائد النفط الخليجية، وستنتعش دول تحت مظلة إيرانية أومحايدة؛ مثل سوريا والعراق وحزب الله والحوثيين، والجزائر ومصر، وبدرجة أقل تونس وموريتانيا، وسيطلق الإتفاق سباق التسلح في المنطقة، ويُقزم القدرات الإسرائيلية، وتنكمش على نفسها أقليمياً ودولياً، والعرب في حالة ضياع وفقدان هيبة.
من حق ظريف أن يضحك، ويُغضب نتنياهو، ويصاب العرب بالصدمة في ليلة القدر، وقد نجحت الدبلوماسية الإيرانية، وستشهد تطوراً مذهلاً، ولم تقل إنها تُريد إنتاج سلاح نووي، لكنها نجحت في كسر الحصار.
عزاء العرب أنهم وضعوا مصير شعوبهم في سلة المصالح الأمريكية، وإعتادوا على تكرار الأخطاء، والإرتماء بأحضان إسرائيل وقوى التطرف، خوفاً من وهم القوة الإيرانية، التي أحتموا منها بالمظلة الطائفية، فليحتفل الإيرانيون بنصرهم الكبير، ويُعرفوا العرب أن ليلية القدر هي نجاح لسياسة عظمى، مبنية على أسس السلام والتسامح، وغايات كبرى، وهي أتفاق على السلم والمحبة، ولا تعني الملذات والإعتماد على الغير؟!