تعيش المنطقة عموماً والعراق خصوصاً حالة من الفوران البركاني خاصة بعد ظهور ما يسمى بداية الربيع العربي الذي كان ربيعاً قاسياً ببرده ، حيث تغيرت توجهاته ليكون شتاءً قارساً يمزق الاوصال ، إذ سقطت الدول العربية الواحدة تلو الاخرى تحت شعار ” التغيير ” الذي لم يعرف الجهة الذي تبنته سوى انها ثورة عربية شعبية لتغيير الحكام الظلمة ، والتساؤل هنا أين كانت هذه الشعوب قبل هذا الوقت ، وهي تعيس سنوات طويلة تحت سطوة الحاكم الظالم .
بدأت من العراق وسقوط نظام البعث الذي كان مثالاً حياً في التسلط والديكتاتورية وقتل الشعب العراقي ، وتلاوة بعده سقوط الاصنام واحداً تلو الآخر لتبدأ المنطقة مرحلة جديدة خصوصاً بعد ظهور جبهة النصرة في وسوريا وفيما بعد عصابات داعش في الشام والعراق ، الامر الذي أدخل العراق في حرب تغيير منطقة الشرق الاوسط على أسس جديدة تحددها القوى على الارض .
بعد عام 2003 عاش العراق حرب التصلب في المواقف مع الجيران ، الامر الذي أخسره المواقف الاقليمية والدولية ، وفي بعض الاحيان وصل الحال الى نتائج كارثية من سقوط الموصل والتي تعد ثاني اكبر مدينة في العراق وما تلاها من سقوط مدن العراق الاخرى ، والذي يحاول استخدام طاقته من اجل مسك زمام الامور ، ولكن دون جدوى ، فعصابات داعش تعادل قوة الدول مجتمعة ، والا أي تحالف دولي لا يمكنه القضاء على عصابات ارهابية ؟!
الملاحظ على خارطة العراق نجد ان القاسم والفيصل بين دولتين كبيرتين ومتنافستين في الشرق الاوسط ، الا وهي ايران من الشرق والتي يمتلك العراق حدود تقدر (1458 كم) والسعودية من الجنوب الغرب بحدوداً تقدر (814كم) والذي يبدو فيه العراق مقدر له ان يعيش مختنقاً بين الخصمين ، وان يعمل جاهداً من أن أجل ايجاد توازن طبيعي بين الطرفين ، كما يسعى ان لا يحسب على طرف دون طرف ، فالشيعة في العراق الذي يبلغ تعدادهم وبحسب احصاءات الامم المتحدة أكثر من 65% من سكان العراق ، والسنة العرب الذين يمتلكون 20% من نسبة سكانه ، وإيجاد التوازن السياسي والاجتماعي بين هذه المكونات .
التنافس بين السعودية وإيران ارتفعت وتيرته بعد في الاونة الأخيرة خصوصاً بعد احداث اليمن والاتهامات المتبادلة بالتدخل بالشأن اليمني سواءً من السعودية او ايران ، والدعم الايراني للعراق في حربه ضد داعش ، الامر الذي جعل الاحتقان والتوتر يزداد بين طرفي الصراع ، مع سعي كل طرف منهما للحصول على مكاسب سياسية او على الارض تزيد من نفوذه في المنطقة ، خصوصاً سعي ايران تصفية ملفها النووي والانتهاء من عزلتها الدولية المفروضة عليها منذ سنين ، في مقابل ذلك تحاول السعودية فرض سياستها على المنطقة ، وزيادة زخمها خصوصاً في مناطق الصراع ( سوريا – العراق – اليمن – لبنان) مما يجعل حدة الصراع تزداد وتلقي بظلالها على العراق تحديداً .
الموقف العراقي في داخل البيت العربي لم يكن مؤثراً يوماً اطلاقاً ، وعندما نلاحظ موقفه من الازمة اليمنية وُصف من بعض الدول العربية انه “تغريد خارج السرب ” ، خصوصاً مع عدم وجود نوايا حقيقة من أصلاح الوضع السياسي والاجتماعي الداخلي في البلاد ، الامر الذي يجعل موقفه ضعيفاً امام مواقف الحرب التي اعلنها العرب على اليمن ، وإيجاد موقف عراقي قوي من مجمل القضايا العربية والأزمات التي تمر بها المنطقة .
لو كان العراق اصلح بناءه الداخلي وأسس لدولة حديثة ، ذات مؤسسات دستورية خلال الاثني عشر عاماً الماضية لكان اليوم من اقوى المواقف العربية ، بل اكثر من ذلك كان باستطاعته ان يغير المعادلة القائمة في المنطقة ، وبروز لاعب شرس اسمه العراق ، ولكن النوايا الخبيثة من الدول الاقليمية في بقاء بلداً ضعيف تنخب به الطائفية والصراع القومي جعل منه كالمقعد ينتظر اعلان موته سريراً .
أعتقد ان العراق محور الصراع في المنطقة ، وهو بوصلة التحكم فيها ، فيجب أن يكون هناك تغييراً داخلياً ، وظهور نخبة سياسية جديدة تحمل راية التغيير ، وتعمل على بناء دولة قوية قادرة على النهوض بالواقع الهزيل للبلاد ، وتكون مصداً لأي اجندات من هنا او هناك تحاول تمزيق البلاد والعباد وبموقف علني واضح من جميع الاطراف .