كانت ولا زالت تتبلور في كل الحضارات و المجتمعات ، وعبر العصور وجهة نظر تؤدي الى الإعتقاد بأن الأساطير ، وهي من عمل الآلهة و الملاحم وهي من عمل الأبطال الإسطوريين أو السلف العظام، وبذلك فإن أعمالهم تكون خالدة ومستمرة ، ونادرا ما تخضع للتعديلات الدقيقة، وبتقليدها يكتسب العمل الشعبي، مكانة مقدسة ، مما يدعو للإعتقاد بأن ذلك يقربه من الحقيقة المطلقة . ولذلك فإن الإبداع الشعبي دائما ما يستمر لآلاف السنين ، وما هذه الإستمرارية إلا نتيجة للإتفاق وتوحيد الرؤية التصميمية لكل من الحرفي والزبون الشعبي ( المستعمل للنتاجات التراثية ) ، فهو يشغل الفراغ ويزخرف الكتل عبر ما تتناقله الأجيال من أساطير ، ومن ممارسات وتجارب الأجداد.
بيت الأرواح بمنطقة نهر الكيبيك – غينيا الجديدة
والإنسان بطبيعته ذو عقيدة دينية مسيطرة ، وعادة ما يصاحبها مجموعة من المعتقدات الشعبية الإسطورية ، وقد إختار منها الإنسان ما هو مقدساً من أماكن و أزمنة وأنشطة للإرتباط بها ، لأنها تمثل له الحقيقة المطلقة ، كما تمثل له طريقة لإنقاذ حياته من الطبيعة ذات المفاجات غير المتوقعة .. وبذلك حدد الإنسان فراغاً مقدساً لتنفيذ فكرة عقائدية لأنها تردد اسطورة خاصة. ومن هنا فإننا نجد أن الإسطورة هي رافد مهم ومنهج إبداعي شعبي .
احتفال جون ماتسوري، وهو من أكبر الاحتفالات باليابان
وقد تعرض الباحث الأمريكي “جوزيف كامبل ” ( J. Campbell ) ، وهو من أكثر العلماء المعاصرين إهتماماً بالأساطير في بحوثه وكتاباته المتعددة لمفهوم الإسطورة، وتأثيرها على إعطاء المعنى الشمولي للحياة ، مما يجعل الإنسان راغباً في أن يسبغ ملامح الأسطورة على جوانب حياته المختلفة، في المعيشة والملابس والعمارة، وقد أفرد كامبل مؤلفين للحديث عن هذا التأثير الجوهري، وهما : “الأساطير والأحلام والدين” و ” قوة الأسطورة ” ( The Power of Myth ) .
شموع طافية في النهر بمناسبة يوم احتفالية (خضر الياس)
وهنالك رأي لا يستهان به، أورده العالم النفسي الكبير ” كارل يونغ ” (Carl Jung)، مفاده أن مشاكل العالم الحديث تعود الى فقدان العلاقة بين الإنسان ورموزه وأساطيره وأحلامه، هذا الفقدان جعله يعتمد على فرديته، والتي أسماها “يونغ” بعملية التحول الفردي (The Process of Individuation) ، وأبرز دور اللاوعي في إعادة إثراء هذه العلاقة، وذلك في كتابه الشهير “الإنسان و رموزه” (Man and his Symbols).
عازفي الربابة والجوزة
وهنا تجدر الإشارة الى ظاهرة مهمة، بما يخص التراث الشعبي، ألا وهي :”إننا مثلما وجدنا تشابها وإستمرارية زمانية، فإننا أيضاً غالباً ما نجد تشابها وإستمرارية مكانية بين النتاج الشعبي لعدة أقوام وقبائل متباعدة ومتباينة “، وذلك بسبب تشابه الرؤية الإسطورية الدينية بينهما، وبصرف النظر عن إختلاف تقاليدهم المتوارثة، فإن أسلوب إبداعهم الشعبي يكون على درجة عالية من التشابه، وهذا قد يتضح من خلال مقارنة إنتاج عدة قبائل في غرب أفريقيا.. (على سبيل المثال) ، بدءا من إختيار الموقع الذي يقيمون فيه الى التقسيم والتخطيط ، الى أدق تفاصيل الزخارف والألوان والأشكال ، كما إنتقل التعبير الإسطوري الديني الى مجالات أخرى كالأدب والشعر والغناء والموسيقى وغيرها.
ذات السبعة عيون – مانعة الشر والحسد حسب الاعتقاد الشعبي
وهنا يمكن إعتبار الموروث الشعبي تراثا جماعيا وليس من صنع فرد عبقري واحد، بل هو ميراث تناقلته الأجيال شفاهيا جيلا بعد جيل ، مثل الغناء أو الشعر الذي يتناقله الرواة و الحفظة ، وشعراء الربابة، وقد يدخلون عليه بعض التطور و التعديل ليكون صالحا كغذاء للوجدان في المجتمعات الشعبية.
قواد احدى القبائل الافريقية