23 نوفمبر، 2024 4:49 ص
Search
Close this search box.

كسرا للجفاء..والجفاف

كسرا للجفاء..والجفاف

بث احد مواقع الانترنت خبرا عن تمكن رجل امريكي من الاتصال بوالدته المتوفاة عبر الهاتف ..الأمر غريب طبعا فهو ليس الحديث المعروف مع الارواح الذي يجيده محضرو الارواح بل هو حديث حقيقي لكن مايخفف وطاة غرابته هو انه من طرف واحد ، فالامريكي اكتشف بعد وفاة والدته انه لم يقل لها كل مايود قوله من عبارات تعبرعن حبه لها فتوصل الى تلك الطريقة وقام بدفن جهاز هاتف مع والدته مزود بشريط تسجيل وصار يتصل بها ليحدثها بشكل يومي …

في السنوات الاخيرة اكتشف مجتمعنا الذي كان مغيبا بالحكم الدكتاتوري وحظر وسائل الاتصالات والتكنولوجيا ان هناك مناسبات عدة يحتفل بها العالم الغربي ولاتحرك لدينا ساكنا مثل عيد الأم وعيد الحب وعيد الأب واعياد الميلاد الخاصة فقد كان للأعياد الوطنية الاولوية وكان للمراة فقط حصة في الحصول على عيد خاص بها لكنه كان مخصصا لنساء الاتحاد العام لنساء العراق اكثر منه للمرأة العراقية ذاتها …ثم ظهر ايضا من يصف الاعياد المستوردة من الخارج على أنها بدعة وضلالة فصار الاحتفال بعيد مولد الفرد او التصريح بمشاعر الحب للام والحبيبة والاب حكرا على من لايريد ان يوصف بالكفر والزندقة او ( العلمانية ) ..

ليس هذا فقط بل بات الانشغال بمتاعب الحياة وهمومها ( العراقية ) جدا والتي لاتشبه هموم ابناء الدول الاخرى يجعل من يهتم بمثل هذه المشاعر ( بطرانا ) او ( اوفر ) فالحب في القلب كما علمنا اهالينا والمشاعر لاتعبر عنها الكلمات بل المواقف …وهكذا ، بدأ الجفاف والجفاء يغزوان قلوبنا تدريجيا ، وصار يمكن ان نرى احبتنا يوميا ونلقي عليهم التحية الصباحية والمسائية ونسأل عن اخبارهم لكننا لانجرؤ ولانفكر اصلا في ان نقول لهم كم نحبهم وكم تكون الحياة بلا معنى بدونهم ..لقد علمنا من سبقنا الخجل من البوح بمشاعرنا والخشية من مطالبة الآخرين بحقنا في الحصول على

اهتمامهم ، وهكذا تربينا على مجاملة او منافقة اقرب الناس الينا بدلا من اختراق اعماقهم وانتزاع مانستحقه من مشاعرهم ..

هذا الاسبوع ، احتفل العالم بعيد الأب وهو جديد بالنسبة لنا ولم نسمع به من قبل ، لكنه اصبح فرصة للبوح بالمشاعر المخبوءة تجاه آبائنا ..وجدت صفحات الفيس بوك مليئة باعترافات بالعرفان للآباء فلم اشم رائحة ( بطر )في أي منها ..شعرت بأنها حقيقية لأنها تعكس مدى الكبت الذي رافق تربيتنا وجعل احبتنا يكبرون ويفارقون الحياة دون ان نغمرهم بمشاعرنا ونقول لهم وجها لوجه كم نحبهم وكم نقدر مافعلوه لأجلنا ..شعرت بان من واجبنا ان نكسر حاجز الصمت والجفاف مع احبتنا ونصل الى قلوبهم قبل منازلهم وبدلا من وضع جهاز هاتف في قبورهم نبث به لواعجنا كما فعل الرجل الامريكي ، لنحاول ان نبحث عمن تبقى من احبتنا لنبثهم مشاعرنا قبل ان نلجا الى استخدام تكنولوجيا مابعد الموت ..

أحدث المقالات

أحدث المقالات