العودة لفهم الماضي, يساعدنا كثيرا لمعرفة طريقنا ألان, فالإحداث تتراكم لتكون قصة الإنسانية, وما يحصل اليوم من فتن, فهي مرتبطة بما حصل قبل 1400 عام,
الاغتيالات في تاريخنا, لها فصول لا تنتهي إلى يومنا هذا, فالتخلص من الخصوم عبر الاغتيال, حل يلجا أليه الساسة كخطوة فعالة جدا, بعد أن فقدوا القدرة على الفوز كفرسان, فيكون الغدر سلاحا للنصر.
ورقة تاريخية مهمة, الصحابي سعد بن عبادة, من الذي اغتاله؟ وما هي الدوافع, للقيام بتلك الجريمة.
كان له مواقف محترمة في الإسلام, ومكانته السياسية والعشائرية, لا يضاهيه فيها كثير ممن تسلقوا, المناصب السياسية في الحكم الإسلامي, وكان من اشد المعارضين لبيعة الخليفة أبي بكر, فكان بعد استتباب الأمر للخليفة الأول, قليل المشاركة في الحياة السياسية, حتى انه لا يحضر الصلاة في المسجد, كنوع من المعارضة, لما حصل من تغييرات سياسية, بعد وفاة الرسول الخاتم (ص), ثم ترك المدينة المنورة واتجه إلى الشام, ليسكن في حوران.
لم تدم أيامه طويلا في حوران, فقد قتل بظروف غامضة, وهنا نستعرض الروايات والآراء الأكثر شيوعا عند المسلمين. أوردها صاحب العقد الفريد{ ط-القاهرة1962 ج4/260 كتاب السجدة الثانية}.
الرأي الأول: رواية عن ابن سيرين وفيها إن سعد بن عبادة رمي بسهما فمات, فبكت الجن وقالت: نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة….ورميناه بسهمين فلم تخط فؤاده, ورواية عن ميمون بن مهران, وتفيد إن سعد بن عبادة رمي في حمام بالشام فمات!!!
هنا يتم وضع الجريمة باسم المجهول, أو تحول إلى اتهام الجن بدم سعد بن عبادة, وهذا الرأي هو السائد مع الأسف, في كتب التاريخ وحتى الدراسية في الجامعات والمؤسسات الدينية, وهو نوع من تسفيه الوعي الإنساني, ليقبل بهكذا تعليل لموت شخصية مهمة, ومعارضة لحكم الخليفة الأول, الجن يتحملون مسؤولية قتل السياسي المعارض, وقتلوه لأنه (بال واقفا في الصحراء) كما تنقل كتب التاريخ بشكل مضحك, لتتخذها العقول الغريبة كحقيقة, وتدافع عنها لحد يومنا هذا.
الرأي الثاني: رواية أوردها صاحب العقد الفريد, عن هشام الكلبي, إن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب, بعث رجلا إلى الشام, فقال له ادعه إلى البيعة, واحمل له بكل ما قدرت عليه, فان أبى فاستعن الله عليه, فقدم الرجل الشام, فلقيه بحوران, في حائط بستان, فدعاه للبيعة فرفض, فرماه بسهم فقتله.
وهذا الرأي هو يعبر عن مدى ابتعاد الأمة عن المنطق, وحاولت كتب القوم, إخفاء حقيقة ما جرى, للحفاظ على صورة الخليفة الثاني, مع انه نوع من التزوير للحقائق, وتضع اللوم على الجن بمقتل بن عبادة! يرتضون تسفيه العقول على قول الحقيقة.
وتشخيصنا إلى أسباب هربه, ورواية الجن, أو غموض مقتله إلى النقاط التالية:
الأول: القول في روايات مقتله, (انه بال واقفا ومات), محاولة لتصغير شانه بعيون الناس, وتحول أمر موته للغموض, وجعله مخالفة الشريعة في أخر أوقات حياته, فانظر إلى دهاء السياسة, وكيف تفعل الأعاجيب بمن يخالفها الرأي.
الثاني: نسبت مقتله للجن, وبهذا تخلص من الاتهام, حيث توكل أمره إلى الغيب, فتحاكي مخيلة الناس, المرتبطة بقصص الجن وسلوكهم الخارق, وبهذا تخرج من الحرج, ويصبح الأمر في دائرة الجن.
الثالث: انه شخص معارض للحكم, وكان تحت التهديد, وهرب من مدينة الأجداد طلبا للامان , عند أول فرصة سنحت له هرب للشام, لكن السلطة لاحقته, لأنها تحس بخطر المعارضين البعيدين عن عيونها, فخططت للخلاص منه, هذا مختصر الحقيقة التاريخية.
قراءة التاريخ بعيد عن التعصب, والاستعانة بالدليل والعقل والمنهج العلمي, يزيل الغشاوة عن العين, كي ننظر لشخوص التاريخ, بعيد عن هالة التقديس الأعمى, فما ظهور الحركات التكفيرية, ألا لاعتمادها خط الروايات الشاذة, والرواة المشهورين بالكذب, فأنتج فقه غريب لا يمت بصلة للإسلام, فالوعي يهد السد المانع عن اندماج المسلمين.
في تلك اللحظة الواعية يزول الاختلاف, وتضمحل المخاوف من حرب طائفية شاملة, ويفشل مخطط الغرب, ويتحقق الوعد المنتظر.