“جويس كرم”.. كاتبة وصحفية عربية، لمرور عام على احتلال داعش أراضي عراقية نشرت مقالا تحت عنوان؛ (عام على داعش) قالت فيه: (في حزيران 2014، وتحديدا يوم سقوط الموصل في يد “داعش”، سألتُ على هامش مؤتمر دولي في الدوحة المسؤول الاميركي الاستخباراتي السابق “بروس ريدل” عن قراءته وتوقعاته، فقال: اذا أبقى التنظيم سيطرته على الموصل لأكثر من عام فهو هناك ليبقى).
من المؤكد أن شخصا مثل “بروس ريدل” لايبدي رأيه او وجهة نظره في موضوع جزافا، فهو يمتلك الحنكة والدراية والملَكة والقدرة على التحليل، ويجيد استقراء الأحداث وماتؤول اليه تداعياتها، وعلى هذا الأساس لفت تحليله المذكور انتباه الكاتبة، وقطعا هو يلفت انتباهنا نحن العراقيين أكثر، كوننا أهل الدار ونعيش في صلب الحدث، ويقع علينا وعلى (روس الخلفونا) مايقع على أي شبر من الأراضي العراقية، لاسيما إذا كان الواقع هو مأساة وكارثة تاريخية وإنسانية ووطنية وأخلاقية ودينية. فلا أحد ينكر وقع هذه الفاجعة على أي عراقي ينتمي لعراقه بجوارحه وأحاسيسه، ويرتبط باسم العراق وكل ما يمت اليه بصلة روحا وجسدا، ولا أظن صدمة العراقيين تختلف لوحدث ما حدث في الموصل -لاسمح الله- لمحافظة او مدينة أخرى، في شمال العراق او جنوبه او شرقه او غربه. فلو استطلعنا من بين العراقيين رأي من سنحت له الفرصة لزيارة محافظات العراق فيما مضى، عن أية محافظة أجمل في نظره! وأيتها تركت في نفسه صورة أجمل من الأخريات، أنا على يقين أن الإجابة ستكون حائرة.. ذاك أنه لايكاد يميز الأحب الى نفسه والأقرب الى قلبه بين الموصل والكوت.. او النجف وكركوك.. او البصرة والرمادي.. او السليمانية والعمارة.. او الناصرية وديالى، فلكل منها نكهتها وجوها وناسها بكل مايحملونه من جمال الروح والمعشر، ومايتحلون به من الخصال الأصيلة والشمائل العِذاب، التي يندر اجتماعها في نفسيات مجتمع واحد مترامي الأطراف ومتعدد القوميات والأديان والمذاهب كالعراق.
أعود بحديثي الى وجهة نظر “بروس ريدل”، عن بقاء داعش على الأراضي العراقية، أٌقول: لن يُخرِج عصابات داعش من أراضينا غيرنا.. وغيرنا هذه أٌقصد بها نحن العراقيين بجيشنا وحشدنا وشعبنا، وهؤلاء قطعا هم القاعدة الأساس للهرم العراقي، أما رأس الهرم فهم الموظفون الكبار المكلفون بإدارة مؤسساته، وهم متبوئو المراكز العليا في مجالس البلد الثلاث، وكذلك تنضم الكتل السياسية والنيابية الى رأس الهرم العراقي برؤسائها وأعضائها، فهم ممثلو الشعب ويقع على عاتقهم الارتقاء بجوانب حياته، فقد سبق لهم أن أجزلوا الوعود وطرحوا العهود لناخبيهم، وقد آن الأوان لتنفيذ الموعود والمتعاهد عليه. وأستطيع القول جازما أن سبب دخول داعش هم الذين في رأس الهرم.. وسبب توسعه يوما بعد يوم هم أنفسهم.. وسبب تأخير بقائه هم أيضا. فلو أخذنا المحافظات المنكوبة كلا على انفراد واستطلعنا حال سكانها، لتبين أن المواطنين الأبرياء الذين لاحول ولاقوة لديهم، هم الوحيدون الذين يعانون شرور العدوان، وهم الوحيدون الذين شردوا في فيافي الأرض ووديانها، وهم الذين انتهكت أعراضهم وهتكت حرماتهم ونهبت بيوتهم وأموالهم، وهم ايضا وحدهم الذين خسروا أولادهم بين شهيد وفقيد، أما المتربعون على كراسيهم او النائمون في فنادق عمان وأربيل، فلا أظنهم محسوبين على العراقيين، وجدير بهم البقاء هناك حيث استحلوا العيش الرغيد، فيما يعاني أهلهم مرارة العيش وعسر الحال، فضلا عن تعرضهم للقتل والتمثيل والسبي والحرق.
إن سيطرة داعش في الموصل وامتداده الى ثلاث محافظات بعدها، لم يكن وليد قوة جبارة يتمتع بها أفراده، وليس لقوة سلاح مميز او فتاك يستخدمه، بل هو انبطاح من أنفسنا.. بعد تلويح بالأكف البيض التي خلفها نيات سود، فحدث ما حدث من خزي وعار سيظل وصمة وعلامة فارقة مدى الأجيال على من فتح أحضانه للغاصب الغازي، وجعل يده مغلولة عن مصافحة أخيه في الدين وشقيقه في الوطن ونظيره في الخلق.