“لمناسبة مرور سنة واحدة على رحيل عندليب الاسى الشاعر حسين عبد اللطيف”
في مثل هذا اليوم , الرابع عشر من رمضان المبارك سنة 1435 الذي يصادف الخميس العاشر من تموز سنة 2014 , أستكمل الشاعر حسين عبد اللطيف كل اتصالاته بالمتلقي أولآ , من كافة النواحي سواء في الجانب النفسي او في جانب الدلالات والمعاني من دون ان يقابل بالرفض في نمطية شعره او في دأبه الثوري بالأعتراض على مسألة الابتعاد عن جماليات الاحساس بمعاناة الشاعرعند قراءة النص الشعري . وهو هنا لايأبه الى حسن الألقاء الذي يرتبط بالسطح الاول للقصيدة , بل الى التأمل في السطح الثاني لها . وهو في كل القصائد يقدم نفسه الحزينة – قبل كل شيء – التي راحت تصوغ اشكالآ جديدة في قصائد ظهرت غرتها في مجموعته ” نار القطرب ” فكانت اول مجموعة تهيمن عليها موضوعة لاجدوى المكان والزمان وتقنية الإيحاء . وأستكمل لقاءاته مع أصدقائه ثانيآ , بعد ان استفاد من تجارب زملائه سواء في الشكل او المضمون فهو ينتسب اليهم وينتسبون اليه لأنه يراهم مثلما يرى نفسه شأنه في ذلك شأن كبار الشعراء كالسياب والبياتي ونازك الملائكة إلا ان قصيدته ذات بناء مميز وتقنية متجددة لم تخضع لسطوة سابقتها مما تميّز به شعره قبل رحيله .
أن التفكيرفي كنه الشاعر بعد كتابة القصيدة والسجن الذي يخرج منه في كل قصيدة كان همّه الأول عند قرائته لأي نص شعري , لذلك فهو من النوع الذي يفكر في جوهر الأشياء ليبلغ غايته الشعرية .
سألته مرة : ماالذي يستدعيك لكتابة الشعر ؟
فأجابني بسؤال : وما الذي يستدعيك لتعيش ؟
ثم أبتسم قائلآ : الشاعر يرى مالايراه الآخر لذلك يلجأ الى تصويره بدقة اللغة التي ترتفع اليه لتتلقفه , وبالتالي فأن الشعر هو ظاهرة بشرية ينبثق من القهر والمعاناة والحقيقة الممزقة .. والشاعر يرتب اجزاء هذه الحقيقة في كل قصيدة من قصائده في إطار تجربته الواقعية ورؤيته الفلسفية وفهمه المرتبط بوجوده .
حين داهم الموت شاعرنا حسين عبد اللطيف وخضعه الى نوع آخر من الوجود الالهي انما يعني ظهور عصر جديد له هو عصر الاستذكار , أي العودة الى الوراء وقراءة اشعاره بتقنية جديدة لموروث شعري يحتمل او لايحتمل التأويل وذلك من اجل ان نقترب من أنفسنا كثيرآ من دون ان نجزم بنهاية حافات شعره الدلالية التي حددها .
رحل عنّا حسين عبد اللطيف بكل تفاصيله الجسدية , لكنه لم يختف عنّا كليّآ , بل ترك لنا مسكنه الشعري وقصائده التي حلّت محله وهي مازالت تمسك بحقيقة هذا الشاعر الذي ذبل جسده وأطلق عليه المرض نوبات من الأغماءات ليتصدع قلبه الحزين إلا أنه لم يتبدى موهنآ قيد أنملة في الشعر أوأشرف على نهاية الكتابة أو تسلل الى قصيدته الذوبان , بل أن القدر هو من أختاره ليصمت في عناقه مع العدم عند هذا الحد من جذوة هذا الصنف من الأدب ليتصفّح شعره من بعد جميع الناس رجلآ رجلآ وإمرأة إمرأة بما حملت عينيه وماأمرت به نفسه من عطايا الشعر وأصدقه .
في ذكرى رحيل هذا الشاعر الذي وضع أركان أخرى للقصيدة البصرية التي تصطف مع قلائد الشعر العراقي في بانوراما شعرية تتماها مع بانوراما نصب الحرية للفنان جواد سليم لتؤرخ تجارب انسانية لفتى وهب حياته للأدب والشعر.
والفخر كل الفخر ان نتذكره ونحتفي به في كل محفل ادبي , فقد كان نجمآ تعجله مرض أعمى فأفل نحو مصيره المحتوم وطوبى لمن كرّم ابنائه وأبناء جميع ادبائنا الذين رسموا خارطة أخرى للعراق , تلك هي خارطة الأدب بكل أصنافه .