هناك أسئلة مشروعة عندما نحاول أن نقرأ ونفسر صورة العرب والأمة العربية حيث قالها شاعر العرب قبل عقود نزار قباني بصرخة ضد الانحطاط الذي يسير به ملوك النفط والزعماء العرب وزبانيتهم وعاظ السلاطين . . متى يعلنون وفاة العرب وبالأمس كرر محاضر في “مركز الحوار” بعض التساؤلات حول الأمة العربية بين الثورة والانقراض نتيجة للتخلف الحضاري وتغييب العقل . . . وكذلك أحييّ الأستاذ صبحي غندور على مقاله الأخير حول “سياسة التوازن بين الأضداد والإخلال بوحدة المجتمعات” والتي كان فيها دقيقا جداً في تشخيص الورم والعيب فينا أصلاً وهي ليست مسؤولية الآخر من القوى الكبرى فقط. إنهم بالتأكيد ليسوا ملائكة… نعم العيب بأنفسنا. . . حكام وحكومات وأنظمة . . وفهم شعبي عربي خاطئ للدين والهوية العربية والوطنية والخلط القاتل بين أن نقول “لا” لكل هؤلاء وبين أن نكون أداة لهدم الأوطان نتيجة سقوط سياسيين ومفكرين في مستنقع الطائفية والمذهبية بما يخدم مشاريع الخارج. من خلال ما تقدم نتحدث عن العراق كنموذج ومثال، 40 عاماً من جرائم صدام ونظامه بحق الشعب العراقي ودول الجوار. لم نرً من حكومات أو مؤسسات أو فهم شعبي للشارع العام يستنكر أو يعلن رفضه عن كل ممارسات نظام صدام بحق العراقيين. بل كان هناك جيوش من المرتزقة ولازالوا من يجمّل له صورته ونظامه . . وبعد غزو صدام الكويت، ارتفعت بعض الأصوات المأجورة والتي كانت في الأمس معه واليوم مع من يدفع أكثر ضده… فقط مع الذي يدفع، وليس ضد جرائم صدام أو الحديث عن معاناة الشعب العراقي… حدث ما حدث وكان احتلال العراق وسقوط نظام صدام، وبدلا من استغلال هذه الفرصة التاريخية، والتي لم تكن فريدة في التاريخ، فهناك على سبيل المثال، ضرب اليابان بالقنابل الذرية وانهيار ألمانيا إثر الحرب العالمية الثانية. لكن الشعوب لم تسقط في الهزيمة ومستنقعها بل كانت نقطة انطلاق لغسل أدران الماضي والاستعداد لولادة جديدة والتي كان من أهم وأول خطواتها؛ الاعتذار من الضحية وعن الأخطاء التي ارتكبت. وقوبل ذلك الاعتذار الحضاري بالتسامح من قبل الضحية. وهكذا كانت الانطلاقة بقيادة وطنية كان همها؛ ولادة وطن جديد… وبقية القصة يعرفها الجميع. وكلنا يرى اليابان وألمانيا وجنوب أفريقيا دول عصرية ومزدهرة. لكن الذي حدث في العراق كان العكس تماما. فقد كانت البيئة الحاضنة لصدام شريكته في الجريمة، لم تعتذر للضحية، بل استكبرت وباعت نفسها لدول مجاورة وأخرى أجنبية في عملية انتحار حقيقي مقابل وصيحة وهم، أما أن نحكم أو نهدم الوطن متعاونين مع كل قوى الشيطان من أجل هذا الغرض…
بالمقابل الشعب “الضحية”، ابتلي بطبقة سياسية فاشلة، ولعوامل عديدة منها، قلة الخبرة في فن الادارة وعلم السياسة، وغياب الاستراتيجيات والبرامج في مجالات الخدمات والتعليم والافتصاد وغيرها. لقد سقطت تلك الطبقة التي تولت ادارة الحكم في فخ الفساد، ومارست بدورها عقدة سادية في جلد الذات وتقمص دور الجلاد، واستعدادها لعمل أي شئ من أجل التشبث بالسلطة وامتيازاتها، وقدمت جملة من التنازلات للآخر، وليس للشعب “الضحية”، مقابل حصولهم على السلطة. وكان الدستور الأعرج، وكانت المحاصصة البغيضة، بالإضافة إلى الفهم الخاطئ للدين والهوية الوطنية، والغرق في مستنقع الأنا والعشيرة والطائفية والمدينة، وجعلها في المقدمة وليس الوطن. وكانت لغة الإعلام النفطي المشبوه والمشايخ والسياسيين الفاسدين سواء كانوا في السلطة أو المعارضة أو الإرهاب كلهم مجرمون بحق الوطن وأبناء الشعب بالعموم، وبحق أهلهم ومن يتحدثون باسمهم ثانياً، فتحولت مؤسسات الدولة ومنها الجيش من أدوات لخدمة وحماية الوطن والمواطن إلى واحد من بؤر الفساد المستشري كالسرطان في جسد الدولة ومؤسساتها. ومسألة الجيش ليست جديدة فمنذ تولى صدام الحكم، ادخل الجيش في حروب عبثية رهنت حاضر ومستقبل العراق، كما استخدم الجيش أداة للقضاء على أي صوت معارض، مثلما استخدمه لاستباحة الوطن والمجتمع. وبذلك تحول أفراد الجيش من حراس للوطن إلى حراس للحاكم ونظامه. وعندما ذهب الحاكم بعامل خارجي، وجاءت سلطة ارتكبت أخطاء في ادارة العراق، ومنها فقدان شريحة واسعة من الجيش الامتيازات الاستثنائية التي كان يتمتع بها أبان حكم صدام، وما تبع ذلك من زواج غير شرعي بين سياسيين فاسدين أو مرتزقة لقوى إقليمية وأجنبية… تكررت اسطوانة النظام السابق، إكذب…إكذب… إكذب حتى تصدق نفسك، ودخلت البلاد في متاهات المحاصصة ومشاريع الأقلمة فضلا عن قيام بعض الأطراف بتعبئة الشارع بأكاذيب، أن السلطة في بغداد غريبة، وأن الجيش العراقي قوة احتلال، والدعوات بوجوب أن يكون لكل مدينة جيش وشرطة، ورفض فكرة أن يؤدي الجيش أو الشرطة الاتحادية المتكونان من كل العراقيين دورهما في بسط الأمن والاستقرار في المدن، بل وأكثر من ذلك دعت جهات وفعاليات سياسية ودينية وعشائرية إلى تكفير أفراد الجيش والشرطة الاتحادية، وقتلهم ومحاربتهم على أساس الانتماء. وكان النتيجة أن سُلمت مدن كبرى بكل ما لديها من أسلحة ومعدات عسكرية وتجهيزات إلى تنظيم داعش والمتحالفين معه، بدون قتال… وتتكرر الكارثة من الموصل إلى صلاح الدين إلى الرمادي، بينما يتباكى البعض على سقوط تلك المدن، ويرفع صوته عاليا للمطالبة بتسليح أبناء تلك المدن، والتي كانت تنعم بأمن نسبي في ظل وجود قوات الجيش والشرطة فضلا عما تقدمه الحكومة من تخصيصات مالية ضمن الموازنة العامة للدولة وموازنة تنمية الأقاليم والمحافظات… لكن… ولعدة مرات، يتم تسليم كل الامكانات
والأسلحة إلى قوى الإرهاب سواء بالبيع أو اتفاقات مشبوهة، وبالمقابل نرى أبناء الشعب من الغياري يقدمون أرواحهم وكل ما يملكون فداء للوطن لتحرير تلك المدن، وانقاذ أبناءها من الممارسات اللانسانية لتنظيم داعش الارهابي. ونرى ونسمع من مرتزقة السياسة وفرسان الفنادق وحتى من مشاركين في الحكومة والبرلمان الذي يشكك بتلك التضحيات من خلال أكاذيب وأوهام في إطار مخطط إحباط للنيل من الشعور الوطني، والدفع بردود أفعال على عدم مساعدة الأخ لأخيه، وعدم العرفان والتقدير بالتضحيات البطولية للمقاتلين من القوات المسلحة والمتطوعين لقتال داعش، وبالتالي ترك أبناء المناطق المحتلة من قبل عصابات داعش تحت رحمتها حتى تدجين من يدجن وقتل ما عدى ذلك. ونود الإشارة إلى أن استطلاع أجرته مراكز أبحاث وجامعات مرموقة حول السعودية أظهر أن أكثر من 53% من السعوديين يرى أن إيران عدوه الأول، و 22% منهم يرى أن داعش عدوه الثاني، بينما 18% منهم وضع إسرائيل ثالثاً، وأن هذه النسبة ترى في حالة عدم اتفاق الدول الست مع إيران بشأن الملف النووي، يجب على السعودية امتلاك سلاح نووي ! ولكن يبدو أنهم لم يسألوا أنفسهم بأن إسرائيل تمتلك سلاحا نوويا منذ أكثر من خمسين عاما وهم نيام وكأن الأمر لا يعنيهم…! وأخيراً، هل هناك أمل للخروج من هذا النفق والمستنقع؟ يمكن ذلك من خلال تغليب العقل على العاطفة السلبية وتحريم ثقافة التكفير الباعثة على الكراهية والعنف باسم الدين، إضافة إلى العمل الجاد على تضييق الخناق على وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي التي تروج لأفكار داعش المنحرفة وكل فكر متطرف، وكذلك تجفيف منابع دعم الإرهاب ماديا وبشريا ومعنويا وإعلاميا ومعاقبة ونبذ كل من يساهم في دعم أي منظمات مشبوهة وإرهابية.