18 ديسمبر، 2024 8:44 م

إنها الحرب الإعلامية

إنها الحرب الإعلامية

يوم الجمعة الماضى دعا الأستاذ محمد عبد الهادى علام إلى «وقفة مع مراكز التحريض الإعلامي» بعد أن جرت تحولات كبيرة فى أدوات إعلامية غربية
«لم تكن يوما من صناع الفتنة وكانت تنأى بنفسها عن الدعاية السوداء وفجاجة الميديا الرخيصة….». القراءة صحيحة ولا غرو للبيئة الإعلامية الإقليمية وتلك الدولية فيما يخص مصر خلال الزمن الذى مضى منذ 30 يونيو وثورتها التى أسقطت حكم الإخوان وحتى الآن. ولكن الأمر لا يحتاج «وقفة» وإنما إلى مواجهة كتلك التى تقوم بها القوات المسلحة وقوات الشرطة ضد الإرهاب؛ وكتلك التى يقوم بها الشعب المصرى وقيادته حاليا فى مواجهة أزمة اقتصادية خانقة. وفى كلا المواجهتين الأمنية والاقتصادية فإن هناك قواعد للاستعداد والحشد والتعبئة، واستراتيجيات للعمل، وتدريبات واستعداد لاتخاذ قرارات صعبة، بموجبها يسقط شهداء، وبموجبها يتحمل الناس موجات غلاء طاحنة.

المهم أنه فى المعركتين فإن النصر مؤكد، وفى دراسات أعدها الباحث الأستاذ أحمد البحيرى فإن المعركة مع الإرهاب وصلت إلى انحساره فى مساحة محدودة على الحدود المصرية الفلسطينية، وإلى تراجع كبير فى أعداد الضحايا والشهداء من العمليات الإرهابية. وبالمقارنة مع دول أخرى تدير المعركة ضد الإرهاب فإن الإنجازات على الجبهة المصرية ضد الإرهاب تفوق بمراحل تلك التى تقودها الولايات المتحدة وحلف الأطلنطى فى أفغانستان والعراق؛ وتلك التى تقودها روسيا وإيران وتركيا فى سوريا. صحيح أن المعركة مع الإرهاب على كل الجبهات تشير إلى بدايات انحسار الظاهرة كلها؛ إلا أن ما حدث على الجبهة المصرية التى تقف فيها مصر وحدها دون تحالف دولى أو إقليمى يشهد لها. وفى المعركة الاقتصادية فإن المؤشرات الأولية لنتائج الخطوات الشجاعة التى اتخذتها الحكومة المصرية فى شهر نوفمبر الماضى تشهد بانخفاض العجز فى الموازنة العامة، وتراجع العجز فى الميزان التجاري، وارتفاع ملحوظ فى الموارد السياحية وعدد السياح، وتوقف فى انهيار سعر الجنيه المصري، وتحقيق ميزان المدفوعات فائضا قدره 7 مليارات دولار خلال الربع الأول من العام المالى الحالى مقابل عجز كلى خلال العام السابق قدره 4.3 مليار، مع ارتفاع فى حجم الاحتياطى العام، وكذلك الاستثمارات الأجنبية فى مصر، فضلا عن تحويلات العاملين المصريين فى الخارج. هذه المؤشرات الإيجابية وغيرها لا تعنى بالتأكيد أننا خرجنا من الأزمة الاقتصادية، ولا حتى من التهديدات الأمنية، ولكن الشواهد كلها تقول أولا بأننا نسير على الطريق الصحيح؛ وثانيا أننا نحتاج ما هو أكثر من الجهد حتى ننتهى إلى النصر الكامل.

المعركة الإعلامية لا تختلف فى كثير أو قليل عن المعركتين الأمنية والاقتصادية؛ ولكننا لن نحقق ما تحقق فى المعركتين إلا إذا كنا على يقين أننا إزاء معركة أخرى ثالثة طاحنة وقاسية. وكما هو الحال فى كل المعارك فإنه يبدأ بالاعتراف بحقيقة «العدو» الذى يدخل معنا فى معركة متعددة الأوجه، فيها القتل، وفيها تدمير الاقتصاد، وفيها أيضا كسب القلوب والعقول. وكسب هذه المعركة مثل غيرها يكون عندما تكون قد تعرفت على حقيقة وتوزيع وأدوات ومنطق حركة الخصوم، سواء كان ذلك فى الجزيرة القطرية، أو فى قنوات استنبول التركية أو اللندنية أو حتى دويتش فيله الألمانية. وفى نفس الوقت فإن معرفة إمكاناتنا وقدراتنا واستغلالها الاستغلال الأمثل وفق استراتيجية واضحة وحاسمة هو الذى يكسب المعارك فى النهاية. وبالطبع فإن نتيجة هذه المعركة لا تنفصل عن نتيجة المعركتين الأخريين، كما أنها فى النهاية هى التى ستوفر بيئة مواتية لتحقيق النصر فى كل المعارك. فالإعلام الوطنى فى النهاية هو الذى يحرم الإرهابيين من بيئة التجنيد التى تعطيهم القدرة على تعويض خسائرهم؛ كما أنه عندما يعطى الصورة الصحيحة عن الاجتهاد المصرى لتحقيق التقدم الاقتصادى فى مصر فإن السياحة والاستثمارات الأجنبية سوف تعود أقوى مما كانت عليه فى الماضي.

التعرف على الخصوم، وتقدير الإمكانيات الذاتية، ووضع الإستراتيجية المناسبة تحتاج فى النهاية إلى آليات وطنية شاملة تسهم فيها المؤسسات والهيئات والأحزاب والجمعيات، وتستخدم الأدوات الحديثة، وقبل ذلك المعلومات الصحيحة، والمعرفة الواثقة، لكسب المعركة. فمن المدهش أن تثير وسائل إعلام غربية حصيفة التساؤل عما إذا كان الإخوان لهم علاقة أولا بالعنف والإرهاب، ونحن لدينا ما لدينا من تاريخ للإخوان، وحاضر يشمل أفعالهم بما فيها 53 يوما مسجلة بالصوت والصورة فوق منصات «رابعة»، فضلا عن تحقيقات ومحاكمات فيها مجلدات من الشهادات والأصول والصور. ومن المدهش أيضا أنه لا يوجد لدينا كتاب أبيض يحكى قصة «رابعة» الحقيقية؛ ومن المدهش أكثر من كل ذلك أننا لم ننشر، ولم نوزع، ولم نطرح، تقرير لجنة التحقيق بقيادة القاضى الجليل الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض عن أحداث العنف التى جرت فى مصر بعد ثورة 30 يونيو.

الإعلام ليس مجرد كلمات وطنية تقال فى المناسبات، كما أنه ليس الإعلان الذى ينتج حماسا مؤقتا تجاه المواقف أو شراء السلع؛ الإعلام فى جوهره الاتصال من خلال محتوى غنى بالمعلومات والمعرفة الذى يدفع الإنسان إلى التفكير بطريقة تختلف عما كان يفكر بها من قبل. الإعلام أيضا ليس أدوات بيروقراطية، أو محطات تليفزيونية ملونة ومصقولة، هو جيوش وفرق وكتائب تعمل فى تناسق فى اتجاه أهداف تكسب المعارك المؤقتة، والحروب الطويلة الأجل. والمدهش أكثر من كل ما سبق أن يحدث ما يحدث على الساحة الإعلامية الدولية، بينما العالم كله يكتشف حقيقة الإرهاب والفكر المتشدد والمتعصب للإرهابيين إلا عندما يصل الأمر إلى مصر فنجد أوضاعا وأفكارا مختلفة. الأمر لا يحتاج وقفة، وإنما مواجهة البرامج بالبرامج، والحجة بالحجة، والمنطق بالمنطق، والسبق بالسبق، والبيان بالبيان، وباختصار أن تكون مواقفنا وقراراتنا ومعلوماتنا ومعارفنا فى المقدمة، ولا أحد قبلها. تلك هى المسألة.

نقلا عن الاهرام