الدولار في العراق ليس كلمة عابرة وإنما العملة التي يتم التعويل عليها في بيع وشراء السلع والخدمات في الأسواق المحلية , فكل شيء مقوم بالدولار وبسطاء الناس رغم إنهم لا ناقة لهم ولا جمل في الدولار إلا أنهم يعرفون أسعار الصرف أولا بأول , وبسبب الاعتماد الكبير جدا على الاستيراد من الخارج بدلا من الإنتاج المحلي , فقد أصبحت أسعار العقارات والسيارات والأثاث والمواد الغذائية والسلع بمختلف تصنيفاتها مرتبطة بأسعار الصرف , فترتفع فور ارتفاع أسعار صرف الدولار وانخفاض أسعار صرف الدينار العراقي , وتبقى على حالها الأسعار أو تنخفض ببطء شديد عند حصول العكس , مما يؤشر إن الدولار في العراق لا يخضع تماما إلى النظريات الاقتصادية المتعلقة بالعرض والطلب , وإنما ترتبط بعوامل ومسببات أخرى والكشف عنها لا يحتاج إلى ذكاء كبير , وهو معروف لدى الغالبية العظمى من المهتمين بأمور البلد لأنه يشير إلى سيطرة ( متنفذين ) على الأسواق المحلية , وقد اكتسبوا المناعة شبه الكاملة من الإجراءات المتخذة للحد من سطوتهم , فبعضهم أصبح مثل الحشرات التي لا تتأثر بأي مبيد بل إن قسم منها أخذت تتغذى على تلك المبيدات .
قبل أكثر من شهرين صدرت تحذيرات عديدة أشارت إلى خطورة وتداعيات انخفاض أسعار الدينار على معيشة الفقراء , فالفقراء الذين يشكلون غالبية الشعب يتضررون من تذبذب أسعار الصرف لان بعض التجار يستغلون ظروف التذبذب لرفع الأسعار إلى أضعاف التغير في سعر الصرف , فالبارحة كان سعر صرف الدولار 137 ألف لكل 100 دولار وكان سعر بيع علبة الكولا 1000 دينار , وفي هذا اليوم تحول سعر الصرف إلى 140 ألف والذي حصل هو أن سعر الكولا أصبح 1250 دينار , ويعني ذلك من الناحية العملية إن ارتفاع الدولار بمقدار 30 دينار لكل دولار كلف المواطن 250 دينار أي قرابة العشرة أضعاف وينطبق ذلك على جميع السلع والخدمات , والمشكلة الأخرى إن التجار بمختلف أصنافهم ( الجملة والتجزئة والوسطاء وغيرهم ) يقومون برفع أسعار سلعهم عند ارتفاع قيمة الدولار بغض النظر عن تاريخ الشراء , فمن اشترى البضاعة والدولار ب 1200 دينار يبيعها بنفس سعر التاجر الذي يشتري الدولار ب1400 دينار , والبعض يعدون ذلك ربحا رغم إنهم لا يخفضون الأسعار عند ارتفاع قيمة الدينار وتغير أسعار الصرف .
هناك الكثير ممن يسأل هل تستطيع الدولة التدخل ومعالجة الموضوع وإعادة أسعار الصرف إلى شكل يتناسب مع سعر الصرف السائد في البنك المركزي العراقي والبالغ 1166 دينار لكل دولار , ولهم نقول كيف لا تستطيع الدولة من المعالجة وهي ( أم الدولار ) فكل ما يتم التعامل به من عملات أجنبية في العراق هي من مبيعات النفط العراقي باعتباره المصدر الأساسي في ميزان المدفوعات ودخول العملات الأجنبية , فتجارنا لا يجلبون الدولار بل يخرجون الدولار أما من مزاد العملات أو من مبيعاتهم في الأسواق , وهم عندما يشترون الدولار من البنك المركزي يدفعون الدينار ويقبضون الدولار وعندما يستوردون البضائع ويبيعوها للتجار العراقيين فأنهم يبيعونها لهم بالدولار وليس بالدينار , أما من أين يأتون بالدينار العراقي لكي يشتروا الدولار مرة أخرى من مزاد البنك المركزي , فذلك هو اللغز الذي لم يشأ الكثيرون الخوض فيه وردم فجوته , فالمرجح أنهم يشترون الدينار العراقي من مكاتب الصيارفة بالأسعار التي يفضلونها , وبذلك تتحقق لهم أرباحا تزيد بكثير عن أرباح استيراد السلع , احدهم اخبرني أنهم حتى وان خسروا في تجارتهم فان يربحون من مضاربات الدولار أضعافا وأضعاف .
لقد وصلت أسعار صرف الدولار اليوم إلى 1400 دينار وهذا الرقم ليس نهائيا , فمن الممكن أن ترتفع أسعار الصرف إلى أبعد من ذلك بكثير مادام هناك طلبا على الدولار , والطلب عالي فبعضه للاستيراد وبعضه للمضاربة والبعض الآخر لتهريب الثروات للخارج كما لا يستبعد وجود أهدافا سياسية من التلاعب بالدولار , فالبلد يخوض حربا ضروس للدفاع عن وجوده وحياة شعبه والعدو له ألوانا متعددة وليس لونا واحدا لأنه ( كيان ) وليس دولة , ونقولها لمن يمتلك القرار وبكل وطنية ومهنية , إن لم تضرب الدولة بيد من حديد على دواعش الدولار فستكون أغلبية شعبنا بموقف محرج , ولنا نوع من الثقة بأن الدولة تمتلك أدوات قادرة على حل جميع المشكلات بحضور الأيادي النظيفة والكفاءات الحقيقية , فجميع المشكلات ( الاقتصادية ) التي يمر بها بلدنا العزيز هي مشكلات نقدية ومالية ويجب مقابلتها بذلك لحين إحضار الحلول من خلال الإصلاح الاقتصادي , لان العراق غني عندما تدار ثرواته بالشكل المنطقي والصحيح , ولنعتبر أل1400 دينار لكل دولار إحدى العلامات الصفراء التي يجب تحويلها إلى اللون الأخضر بسرعة فائقة , فمن أسهم بوضعها للوصول إلى هذه العلامة استخدم التوقيت مع قرب رمضان الكريم وإصرار شعبنا على مقارعة الأعداء .