الارهاب، مفهوم حديث غزا عالم الصحافة ووسائل الاعلام بقوة حتى بلغ الامر بنا نحن العرب نردده كما اراد الآخر/ المختلف، في الوقت كان الاجدى ان نقف على واقع هذا المفهوم حتى لا نصبح الضحية التي تقتل نفسها بأوامر من اعدائها، وان لا تأخذ – البعض منا- الشكوك في ان ما يمارسه المناضلون ضد الاحتلالات بأشكالها ومسمياتها المتعددة، هو شكل من اشكال الارهاب، وتكون النتيجة بالتالي على ما استقرت عليه ان يتسابق هذا البعض للتنديد بالعمليات البطولية بسبب وبدون سبب، ناعتاً اياها بالارهاب مما يؤكد التأثير الشديد الذي تركته الدعايات الغريبة عليه والتي انعكست بالتالي على بعض اقواله وافعاله.. حتى وصل الامر به يخشى ان يتهم بالارهاب رغم مشروعية ما يمارسه من حق طبيعي في مقاومة العدوانات.
في البدء، اننا اذا ما أفترضنا بأن الستراتيجية تهدف فرض مشروع سياسي على دولة ما، عن طريق خلق واستثمار نقاط الضعف الذاتية فيها، فان الارهاب يمكن ان يعتبر بمثابة عمل ستراتيجي، ولكون الارهاب يتمتع بغطاء محكم غير مباشر، وحساسية مفرطة ازاءه من قبل الرأي العام، وطغيانه الظاهر للعيان، فان هذه الامور جعلت منه ظاهرة تستحق الدراسة والتحليل المسهب.
ومن خلال تحليل هذه الظاهرة – اي ظاهرة الارهاب- تظهر على انها عمل حربي عدائي في غاية التعقيد، تتبنى الدول لمواجهته موقفاً اقل ما يقال عنه بأنه موقف متردد، رغم ان تأثيراته على الامن الوطني لا يمكن اغفالها او اهمالها بأي حال من الاحوال.
نعم، ان الارهاب في نهاية المطاف ليس سوى عملاً حربياً له برنامج سياسي خاص، وهدفه المحدد هو الدولة بأعتبارها تمثل نوعاً من المجتمعات التي ينتقدها الارهاب ويحاربها.
ان الارهاب حتى لو كان نابعاً من ستراتيجية غير مباشرة، فانه يقدر مستوى العنف حسب التأثيرات المطلوبة والمتوقعة. كما يلجأ في وسائله بشكل واسع النطاق الى استخدام التقنيات العسكرية، سواء فيما يتعلق بأعداد او بتنفيذ العمليات الارهابية المختلفة التي تتطلب هي الاخرى ايضاً معدات عسكرية.
ان عمليات الارهاب تمثل عملاً حربياً جديداً طالما انه يسعى الى بث مشاعر الخوف الفردي والجماعي معاً بين صفوف الناس الذين يتحولون الى رهائن مفترضين. ونتيجة للاعمال الارهابية التي يرغب الارهابيون تنفيذها امام الناس، فانهم يتوقعون حدوث تحركات ملموسة في الرأي العام تؤدي الى تأثيرات مادية ومعنوية حاسمة.
ان العمل الارهابي يهدف الى ضرب التكوين العقلي، فعقل الناس هو بمثابة المحيط الاستراتيجي المفضل لدى الارهابيين، اما حساسية وتغير الرأي العام فتساعدانه في الحصول على مكاسب بدون قاسم مشترك مع التأثير الحقيقي الذي يحصل عليه بفعل عملياته العسكرية، ولكن لذلك حدود ايضاً، فاذا بلغ الامر حداً معيناً تصبح التعبئة الفكرية امراً مضاداً رافضاً لا يمكن تغييره. من جانب آخر، يمثل الارهاب ظاهرة معقدة، لانه لا يمكن ان يحدث بأشكال مختلفة قابلة للتداخل.
ان دراسة الحركات الارهابية تساعد على وضع تصور نموذجي تبعاً للاهداف المبتغاة، وطبيعة المنفذين ومخططات العنف على مختلف صورها، وان هذا التصور لا يمكن ان يفترض وجود حاجز بين مختلف الحركات الارهابية بل على العكس من ذلك توجد علاقات مسامية فيما بينها.
ان العلاقات الحميمة بين الحركات الارهابية يمكن ان تؤدي الى التعاون فيما بينها، وكذلك بين حركات تبدو ظاهرياً متناقضة في المجال اللوجستي او العملي، ومن الممكن ايضا ان تؤدي المبادئ الاممية لبعض الحركات الى تغيير الشريك الذي يحركها ويوجهها، بيد ان انعدام القوانين والانظمة يبقى الصفة المميزة والغالبية التي تدفع الارهاب مما يجعل منه عملاً خاصاً من بين الاعمال الحربية المعروفة.
وبذلك، يعتبر خارجاً عن القانون بالنسبة لضحيته، فهو يمتلك قوة معينة تجعله لا يخضع سوى للقواعد والسياقات التي يحددها هو ذاتياً. مع ذلك ورغم ان الدول هي ضحايا الارهاب، الا انها تحتفظ غالباً بموقف غامض لمواجهته بشكل علني.
يجب ان لا يغيب عن اذهاننا، ان العمل الارهابي يساعد الدول على تفادي القدرات الدفاعية التقليدية لخصمها مهما كان هذا الاخير، سواء اقوى او اضعف منها عسكرياً او بحجم قوتها، فهو يساعد بشكل خاص على مواجهة دولة اقوى بكثير على امل الحصول على كسب سياسي/ ستراتيجي ايجابي.
ومن الواضح، ان العمل الارهابي يتعلق في الواقع بمفهوم العلاقة بين القوى، فهل سيكون الصراع ممكناً من جديد بين الخصوم الذين لم يتمكنوا حتى الان من ايجاد مخرج معقول من مجابهة مسلحة مباشرة؟
لقد تأكد هذا الامر من خلال دراسة سريعة لحركات الارهاب في العالم، فبالاضافة الى محاولات الاغتيال التي ترتكب في الاماكن العامة التي يرتادها الناس، اضيفت عمليات خطف الطائرات وعمليات القرصنة البحرية.
اذن، هناك توسع واضح في مجال الارهاب مشفوعاً بزيادة عدد ضحاياه، وان الذي يستند على مفهومي المجازفة/ الرهان، وكذلك المطالبة بالحصول على تعويض، قد يفتح ثغرة جديدة للوهن داخل النظم الدفاعية التي يستند عليها الردع، وذلك في حالة العجز عن معالجة هذه الظاهرة.