أتمنى أن يكون خروجي من الدنيا ممتعا – وأتمنى أن لا أعود اليها ثانية
الرسامة المكسيكية فريدا كاهلو
اللوحات الفنية التي يظهر فيها صباح الاهوار منتشياً بضوء الشمس يمد في عمر ذكرياتنا أينما نكون ، هذا كلام لصديق نقلوه من الشطرة معلما الى مدرستنا بالرغم من أنه خريج أكاديمية الفنون الجميلة ، لكنه بدون ملاك وبميول يساريه فكان حظه أن يقبل ليجيء معنا ، ومنه تعرفت على فنانة لطالما أخذت من شتات ذائقتي الفنية شيئا من احساس كآبة انك ليس سوى وجه حزن يجلس أمام المرايا يعد برتابة أيام مهجره وكأن المنفى عوق وهومسك و كما يصفه الشاعر التركي ناظم حكمت بقوله : ( والمنفى يا حبيبتي مهنة شاقة ).
جلب الرسام الشطري لوحات فريدا معه وكأنها احبت قدرية أن تكون لوحتها معلقة على صريفة المرسم الصغيرة وكان يتوسطها لوحة كبيرة رسمت بالزيت لحبيبها تروتسكي إلا ان المدير أشار عليه رفعها كي لا تسبب لنا حرجا حين يفاجئنا مشحوف المشرف التربوي عند زيارته المفاجأة للمدرسة.
كل صباح يسكنني وجه الرسامة فريدا مع صدى الوروار التي يطير من حنجرة فيروز ، فلا يجتمع حزن الرسامة المكسيكية مع مرح الطائر الجبلي ، فيتمنى عليَّ أن ابحثَ عن اغنية ( شادي ) الذي تاه في حزنه في عاصفة الثلج فأقول : يارجل تريد أن تسمع شادي في صباح تتفاءل فيه الشمس وتخرج فيه الجواميس بفرح قيلولتها الكسولة .ابحث لرسامتكَ عن أمل لتغادر عوقها فلا ترسم وجهها في المرايا بل ترسم هذا القصب الذي يهمس الى اقصى ما في السماء من مكان يراقبنا ويقول لنا : مرحبا.
لم يقتنع ، ولم يغير فيه صوت ( طائر الوروار ) شيئا وبقيَّ يحمل حزن ( فريدا كاهلو ) ويؤشر على لوحاتها أن امرأة معوقة وصعبة المراس يمكن أن تكون لافتة ضد أولئك الذين يسيرونَ الحياة بالمال السُحت وصدفة المنصب والنسل البرجوازي.
أتذكر شغاتي عندما كان يتأمل واحدة من لوحاتها ، وبغرابة يشاركها حزن الأنثى ، ولكنه لا يدرك بالضبط ماذا تعينه نظرة وجوهها في لوحاتها وتخيل الأمر أول مرة أن هذه المرأة قريبة للمعلم الشطري .
وعندما اخبرته انها مكسيكية .
قال بامتعاض : لا أحبها انها من البلد الذي تسممنا بحنطته.!
ولأن فريدا من أب الالماني قرأت في صحيفة الصباحية ( صباح دوسلدورف ) ذات يوم في غربتي خبرا عن إقامة معرض للوحاتها في قاعة متحف الفنون .
والان اتجول بين عالم المرأة الغريبة والفريدة وتسكنني هواجس غامضة حول انفصام البشر عن وقائع الفرح بسبب محنة ما يصادفون في الحياة ، ورحت اقارن حزن المرأة في لوحاتها مع حزن صديقي المعلم ، وأتخيل ما كم هطل على خديها من دمع يوم هوت بلطة مجهولة على رأس عشيقها البروليتاري ليون تروتسكي .
وعير نافذة قاعة العرض كان هناك طير وروار جميل يقف على غصن الشجرة فتمنيت ان يكتمل مشهد الحنين ويكون صديقي الرسام الشطري هنا ، وقرب سجل الزيارات اضع ذات المسجل الياباني القديم الذي كان يمتعنا بأغنيتها الخالدة ( دخلك ياطير الوروار).
تهت في نشوة تلك الذكرى ، وثانية عدت لأنظر الى الطائر ، وما التقت اجفاني بأجفانه حتى اخبرني أن صديقي الشطري : هاجر ذات ليلة ممطرة الى المكسيك ، هناك حيث يكون بإمكانه رسم لوحاته الحزينة قرب قبرها…!