تعرّف الفدرالية على انها احدى أشكال نظم الحكم ،حيث تقسم السلطات بين حكومة مركزية وحكومة فرعية او عدة حكومات لها حكم ذاتي كالاقاليم وامثالها ضمن الدولة الواحدة او الاتحاد ، ويعتمد الطرفان أحدهما على الآخر ويتشاركان سيادة الدولة. فهناك قوانين تشمل الدولة عامة ترافقها قوانين وانظمة تخص الاقاليم خاصة حسبما ينص عليه دستور البلاد .كما لا يتغير هذا بقرار احادي الجانب من قبل الحكومة المركزية او تلك الاقليمية
ولتحقيق الفيدرالية لابد من توفر امرين , الامر الاول هو وجود عدة دول او اقاليم تملك ارتباطا شديدا فيما بينها عرقيا, محليا, تاريخيا الذي يُمَكن شعوبها من حمل هوية وطنية موحدة. والامر الاخر هو الارادة في تحقيق الوحدة الوطنية والمحافظة على استقلال كل دولة او اقليم في الإتحاد,هذا ماطرحه الانكليزي ألبرت دايسي في كتاباته حول الفيدرالية
وحول توزيع السلطات في الفيدرالية يتسائل البروفيسور ك.س.وير “هل يجسد نظام الحكم تقسيما واسعا في السلطات بين المركز والأقاليم وتنسيق كل واحدة من تلك الحكومات في إطار صلاحياتها مع الأخرى وتعتمد عليها؟”. ان تقسيم السلطات يفضي الى فقدان قدرة كلا الحكومتين (المركزية والأقليمية) على ممارسة السلطة بذات القوة التي كانت ستمارسها في الدولة الموحدة غير الفدرالية
هنا نسلط الضوء على الحالة العراقية فالنظام الحالي يفتقد في جوهره ومضمونه الى ماهية شكل الدولة هل هي موحدة ام مركبة وما شكل نظام الحكم هل جمهوري ؟ وان كان كذلك فهل علماني ام ديني ام قومي ام امر اخر وماهية صورته هل هو برلماني ام رئاسي وادارة الحكم هل مركزية ام لامركزية.
فهو اليوم يحمل اشكالا متعددة مختلفة .يدعي سياسيوه انها دولة اتحادية لها اقليم مستقل كما يسمح دستوره بان تكسب محافظاته حكما ذاتيا وبالامكان ايجاد اقاليم اخرى على اساس نظام فيدرالي دستوره علماني لكن في معضلاته وشعاراته تجده ديني تارة وقومي تارة اخرى و وطني في ظروف اخرى, ياتي ذلك بحسب ما تراه كل جهة او جماعة متنفذة ، فالصورة ضبابية، فكل جهة سياسية او اجتماعية او دينية او طائفية تحاول سحب الدولة الى ما تهوى
ان من فكر واراد ان يجعل العراق نظاما فيدراليا لم يرده كما هو النظام الفيدرالي المتعارف عليه عالميا ومطبق في كثير من البلدان, بل ارادها فيدرالية مُسخ على نمط اخر تقوم على ما تشتهيه اهوائه ورغباته وسياساته بحيث يكون العراق دولة ضعيفة لا قرار موحد لها تعيش في فوضى متجددة ، ارادها دولة ذات اقاليم متعددة مستقلة عن المركز تماما ولكل اقليم قانونه وسياسته الداخلية والخارجية كما يشاء بعيدا عن المركز بل ويختلف ويتقاطع معه بحدة جملة وتقصيلا وبالتالي يفتقد البلد قرار الدولة الموحد ،
وما يجمع هذه الاقاليم هو مسمى الدولة الاتحادية فقط بلا اتحاد حقيقي, اي اسم على غير مسمى حيث لانجد تلك الروابط الشديدة للاتحاد بين الاقاليم ولا الارادة القوية للحفاظ على استقلال الدولة, بالتالي تُفتقد المقدرة على حمل هوية وطنية واحدة ويُفتقد تنسيق الصلاحيات بين الاقاليم والمركز لتصبح الدولة غير قادرة على ممارسة السلطات
لكن فكرة التقسيم تعرقلها امور عدة, منها امرين , الاول ان استقلال بعض المناطق امر معقد وصعب, بسبب رفض بعض دول الجوار والاقليم مثل هكذا دول مستحدثة لما لها من ضرر عليها محليا وخارجيا وبمختلف الجوانب وقد تسبب صراعا قاسيا لاطائل منه
والامر الثاني ان بعض الاقاليم في العراق لاتمتلك الموارد الكافية ولاالمنافذ الاستراتيجية ،فهي محاطة بالدول الرافضة لها ولان هذا البلد عطلت اغلب مجالات الصناعة والزراعة والمعرفة فيه لذا فمن الضروري بقاء الاقاليم تحت اسم الفيدرالية المزيفة كي تعتاش هذه الاقاليم على المنطقة المنتجة للنفط وحسب
لهذا فمن صعوبة التقسيم اقامة دول مستقلة عن العراق لانها تفتقد الموارد الاساسية لانشاء اقتصاد دولة على الاقل في الوقت الحاضر
ومن اجل المضي بفكرة التقسيم اصبح لزاماً تعديل الفكرة الى “فيدرالية لا اتحادية “, فيدرالية شكلا وغير اتحادية مضموناً حيث لا اتحاد بشئ بين المركز والاقاليم
فان لم يكن بالامكان تقسيم العراق الى “دول مستقلة ” فانه يقسم الى” اقاليم” تحت ضل فيدرالية مشوهة. وبهذا يبقى شكل العراق الظاهري بلد فيدرالي اتحادي لكي تلجم افواه دول الجوار والاقليم كما يبقى النفط هو المورد الاقتصادي للاقاليم ” الدول المستقلة عن العراق” وبهذا يتم التقسيم فعليا دون اعلان دول مستقلة
ان المراد من الاقاليم هو تقسيم العراق باقامة دول مستقلة فيه غير معلنة, لها سياساتها الخاصة داخليا وخارجيا و لا تتعامل مع المركز الا بامتصاص النفط من المناطق التي لاتقع تحت سيطرتها وقد تلعب الاقاليم ادوارا ابتزازية واستفزازية تجاه المركز بالتحكم بالمياه والمنافذ الحدودية او ايواء وتسهيل دخول ارهابيين او افرادا غير مرغوب بهم وفتح منابر اعلامية ضد المركز وابرام مختلف العقود بعيدا عنه وما الى ذلك من سلوكيات تجعل البلاد في دوامة من الازمات والاختلافات المستمرة والمتجددة كما هو الحال مع شماله اليوم
فالمطلوب ان يبقى العراق في حالة من الفوضى السياسية والعسكرية والاجتماعية وصراع دائم بين مكوناته وجهاته السياسية وبين ذاتها ايضا
فلا هو بلد موحد مركزي ولا هو بلد فيدرالي اتحادي انما هو نظام فيدرالي ظاهريا وغير اتحادي جوهريا لان لكل اقليم سياسات وتوجهات تختلف وتتقاطع وتتعارض مع بعضها البعض ومع المركز ولاتتحد بشيء . وهذا جزء من مشروع التقسيم الغربي المؤمل انجازه في الشرق الاوسط الجديد ، وذلك بالاستفادة من فرق تسد لاضعاف قراره الموحد فان صعبت السيطرة عليه كلياً فبالامكان السيطرة على بعض اقاليمه حينما يقسم ولهذا ُتقدم فكرة اسميتها فيدرالية لا اتحادية
[email protected]