جاء تسريب موقع ويكيليكس لما يقرب من 60 الف وثيقة كدفعة اولى من نصف مليون وثيقة اخرى في حوزته حصل عليها في عملية اختراق لأرشيف وزارة الخارجية السعودية فضلا عن أرشيف جهاز المخابرات السعودي، في وقت حرج بالنسبة الى المملكة العربية السعودية التي تنهال عليها الحجارة من كل جانب ، فهي تخوض حربا تبدو بلا نهاية في اليمن، واخرى مكلفة سياسيا وماليا في سورية ، وثالثة طائفية مع ايران، ورابعة في مواجهة التطرف الاسلامي المتمثل بداعش واخواتها. ان ما يميز العائلة الحاكمة في السعودية هو حساسيتها المفرطة تجاه الاعلام ، فمن السهل جدا ان يشكل تسريب خبر صغير ينشر هنا وهناك حول بعض الجوانب السياسية او الاجتماعية او الامنية داخل المملكة ، ممكن ان يسبب حالة من الهستيريا والهلع لدى القيادة السعودية، فما بالك بنشر نصف مليون وثيقة، تتضمن أسراراً مهمة جداً حول دعمهم المالي لصحف عربية واجنبية وأعلاميين وأحزاب وشخصيات سياسية عراقية وعربية واجنبية . الأمر الذي دعا بالسلطات السعودية الى ان تسارع بتحذير مواطنيها من الإطلاع على هذه الوثائق التي وصفتها بالمزورة . إن إحتمال التزوير قد يكون وارداً في نسبة معينة منها، لكن في أكثر من نصف مليون وثيقة فهذا أمر لا يمكن ان يستوعبه عقل، فالموقع نفسه قد نشر مئات الآلاف من الوثائق الأميركية ولم تعلق وزارة الخارجية الأميركية في أن هذه الوثائق مزورة ، وهذ بحد ذاته دليل ملموس تقدمه السياسة الاميركية في أن الجزء الأكبر على الأقل من تلك التسريبات يتمتع بموثوقية عالية وقدر كبير من المصداقية ، مما يدحض الحجة السعودية التي تحاول الحط من قيمة تلك الوثائق وتدعي أنها مزورة. وهنا يبرز السؤال الأهم أمامنا ، هل هناك مؤامرة على المملكة ؟ لقد ذكرت في مقال سابق بأن هذه العائلة الحاكمة قد أفنت سني وجودها ومنذ أن تأسست على حياكة وصياغة المؤامرات ضد هذا البلد أوذاك من خلال الدعم المالي والمخابراتي لكل أدواتها التي ترسم معالم ومخططات التآمر السعودي الذي لم ينقطع على مر تأريخها ضد من يقف بوجه مصالحها، لذا فهي كما تتآمر على الآخرين، وتخوض حروبا اعلامية وسياسية وعسكرية ضدهم، وتتدخل في شؤونهم الداخلية، فمن الطبيعي ان يتآمروا عليها كرد فعل طبيعي ، وهذه أجابة صريحة للتساؤل الذي ورد آنفاً …نعم هناك مؤامرة على المملكة ، وما يقلقها اكثر هو كيفية الحصول على تلك الوثائق، والاسباب التي حالت دون إتخاذ المسؤولين في المؤسسات السعودية إجراءات أمنية عالية لمنع أي أختراق لمؤسساتهم المهمة ، وربما كانت إستقالة او إقالة الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية الذي ظل زعيما للدبلوماسية السعودية لأكثر من أربعين عاما نتيجةً و واقعاً فرضته عملية الإختراق الذي أعترفت به وزارة الخارجية السعودية قبل حوال شهر حول لأرشيفها الألكتروني. ان ما كشفته وثائق ويكيليكس حول الدور السعودي حتى الآن ليس بالأمر الخطير جدا، فهذا هو ديدنها واسلوبها المزمن الذي اعتمدته لعقود من الزمن في التعامل وفق المصالح ولكن الخوف
السعودي ، هو مما سيتم كشفه من وثائق لاحقة، وما يمكن ان تتضمنه من أسرار، فقد يكون ما جرى تسريبه وكشفه هو مجرد مقبلات شهية تسبق الوجبة الرئيسية الدسمة. ربما تكون هناك جوانب خفية من جراء تسريب هذه الوثائق كونها تكشف للمواطن البسيط حجم القذارة التي تكتنز دهاليز الدبلوماسية السعودية ، وطريقة عملها وأدواتها وآلياتها ، لكن الجانب الأهم الذي يجب أن تعيه عقول آل سعود هو أن موجة الطوفان قادمة لا مُحال وأنها ليست بمنأى عنها وسوف لن يكون هناك جبلا ً تأوي أليه يعصمها من المد القادم وعليها ان تدرك ذلك جيدا وأن تستعد له ما أستطاعت الى ذلك سبيلا فعالم اليوم بات عالماً لا مكان فيه للأسرار، ومن يعتقد بغير ذلك لا ينتمي أليه، وان الخصوم لم يعودوا بالغباء الذي كانوا عليه في السابق، وباتوا يفهمون لغة العصر الجديدة بل ويجيدونها ببراعة، وما حصل وسيحصل يؤكد حقيقة قلناها ونعيدها ثانية وثالثة من أن الشرق الأوسط بأنتظار من يعيد رسم خارطته من جديد.