برعاية السيد حيدر ألعبادي رئيس مجلس الوزراء , انطلقت الخميس 11/6 /2015 الحملة الوطنية لتبسيط الإجراءات تحت شعار (حكومتكم في خدمتكم ) , ولم تأتي هذه الحملة من فراغ وإنما بسبب الأصوات العالية التي تنطلق يوميا من كل مكان في العراق , وهي تدعوا إلى تبسيط الإجراءات وتسهيل انجاز معاملات المواطنين واحترام كرامتهم والحصول على حقوقهم المشروعة , كما تأتي هذه الحملة بعد الجولات الميدانية واللقاءات التي أجراها ألعبادي والتي لمس من خلالها تذمرا واضحا وحيفا كبيرا يصيب المواطنين بسبب الروتين , وبموجب المعايير الدولية المعتمدة بهذا الخصوص فان العراق يعد من الدول التي تحتل تسلسلا متدنيا في مجال القضاء على الروتين واستخدام تقنيات المعلومات في انجاز المعاملات , وقد شخصت الأجهزة المعنية ومنظمات المجتمع المدني ارتفاعا في حالات الفساد الإداري والمالي .
وفي الوقت الذي نثمن فيه المبادرة الحكومية لانطلاق هذه الحملة وتمنياتنا لها بان تصب نتائجها في خدمة الإنسان العراقي , لا بد وان نشير بان اغلب دول العالم لديها تجارب في معالجة الروتين وتبسيط الإجراءات , وللعراق تجارب غنية في هذا الخصوص ويعني ذلك إن نشوء الروتين واستفحاله حالة عانت وتعاني منها العديد من الدول والعبرة في مكافحتها من جذورها , وما نعنيه إن تحقيق تبسيط الإجراءات لا يأتي من خلال حملات وهبات وإنما من خلال معالجة الأسباب , وابرز أسباب الروتين هو ترهل أجهزة الدولة وعدم انسجامها وتنسيقها ووجود الفاسدين والمفسدين وانخفاض مهارات وقدرات ورغبات العاملين في الأجهزة الحكومية وضعف الثقة والاحترام بين المواطن والجهاز الحكومي , فالعبرة ليس في إدخال التقنيات وإنما باستخدامها بالشكل الصحيح لأنها أجهزة تخضع لدقة المدخلات .
إن واقع الحال لأداء اغلب الأجهزة الإدارية الحكومية يؤشر حالة من التقصير والقصور تؤثر بشكل كبير على انسيابية انجاز المعاملات , وفي أحيان كثيرة أصبح حصول المواطن على ابسط حقوقه انجازا كبيرا , فدوائر الجنسية والمرور والتسجيل العقاري والضريبة والمصارف وغيرها من الدوائر , تشهد ازدحامات كبيرة وهناك معاملات بسيطة يتم انجازها بأسابيع وأيام رغم إن انجازها لا يتطلب سوى دقائق لو أنجزت بالشكل الصحيح , ولم يسلم الأموات من هذا الروتين إذ إن انجاز معاملات صورة قيد وفاتهم يستغرق أكثر من شهر , ويجري هذا التأخير في انجاز المعاملات رغم إن عدد الموظفين الحكوميين في العراق يزيد عن 3 ملايين تبلغ نفقات رواتبهم فقط أكثر من 40 مليار دولار سنويا , ومن المؤسف إن ينبهر المواطن العراقي بطريقة انجاز المعاملات في دول تعلموا من بلدنا الإدارة الحكومية.
ونقولها للسيد ألعبادي مرة ومليون مرة إن الشعب معكم في هذه الحملة لأنه سأم الروتين والفساد , ولكن كيف سيتم تنفيذها وبعض الوزراء لم يزوروا الدوائر المرتبطة بهم ولم يعرفوا طبيعة وظروف انجاز المعاملات لأنهم غير حاضرين في الميدان , وان حضروا فان أكثر ما يشغل المعنيين هي الإجراءات الأمنية والولائم وتقديم الهدايا من باب التكريم , والأمر يمتد إلى بعض الإدارات الميدانية التي لا تفقه شيئا عن اختصاص دوائرهم وهم يديرون الإعمال من منازلهم أو من خلف المكاتب , ولم يكتسبوا القدر اللازم من التدريب لشغل المواقع الإدارية والقيادية , وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالأبنية فبعض المواقع التنفيذية يتم إشغالها بالكرفانات وكأنهم نازحين , وعندما تسأل عن السبب يقولون إن الأبنية غير كافية في حين إن هناك العديد من الأبنية العائدة لها متجاوز عليها من قبل الإفراد والجماعات .
قد يقول البعض لا تحبطوا الرجل ودعوه يجرب حملة لإصلاح الحال لعله يصيب , ولمن يهمهم الأمر نقول إن مكافحة الروتين والفساد لا تقل خطورة عن مواجهة الدواعش والإرهاب , ولعلنا لا نعلن عن اكتشاف إذا قلنا إن هناك علاقة ترابطية بين الطرفين ويعني ذلك إن الحملة هي معركة , فمن الناحية العملية فان كل روتين يسكن خلفه فساد وعندما يتم التدقيق في أي حلقة معقدة في انجاز المعاملات تجد دافعها هو الفساد , وهذا الفساد بات ينخر بجسد الدولة ويؤثر على معيشة العراقيين , فهو الذي يجعل المستثمرين يعزفون عن العمل في العراق وهو الذي يجعل رؤوس الأموال العراقية تهاجر للخارج , وهو الذي ينشأ حاضنات للإرهاب ويبعد لقمة العيش عن الفقراء الذين يتضررون اليوم من ارتفاع الدولار وقصور الخدمات , كما انه الذي يؤدي إلى موت النازحين جوعا أو مرضا , فالدولة تخصص الموازنات الضخمة وتنفق المليارات والفقر يزداد يوما بعد يوم , ومعركة من هذا النوع يجب خوضها بتخطيط شامل ومشاركة واسعة وليس بقرارات وحملات فحسب .