بعد نجاح ثورة اكتوبر عام 1917 بقياد لينين والبولشفيك, ظهرت نشاطات من مثقفين عرب فى مختلف الاقطار بتشكيل حلقات دراسية لفهم الافكار الاشتراكية والمبادىء والقواعد الفلسفية وقوانين التطور الاجتماعى الاقتصادى التى جاء بها كارل ماركس, نظرية الاشتراكية العلمية والصراع الطبقى….الخ.وبعد نجاح الثورة فى روسيا قيادة لينين والبولشفيك( الاكثرية) بدأ بتأسيس احزاب شيوعية عربيه, فى لبنان1924 , فى فلسطين والمغرب العربى وفى مصر وفى العراق ايضا, كانت الواة من حلقات دراسية الى ان تبلورت الافكار والارادات فى اعلان تاسيس الحزب الشيوعى العراقى.
احتفل الحزب الشيوعى العراقى قبل بضعة اشهر بعيد ميلاده الـ 81, اننا نحى الحزب بعيد ميلادة ونامل ان ياخذ دوره ومكانته فى ساحة النضال العراقية للعقود القادمه, خاصة وهو من اقدم الاحزاب السياسية العراقية ويكاد ان يكون الحزب الوحيد الذى ينطلق من الاشتراكية العلمية هدفا ومنهجا. ان الحزب الشيوعى العراقى منذ تاسيسه الرسمى عام 1937 على يد “يوسف سلمان يوسف- فهد” وجماعته مازال على الساحه العراقية, صعودا ونزولا , فى العمل السرى الممنوع والعمل العلنى, ونكبات كثيرة صاحبة مسيرتة, اعدام قادته الكبار ورمى اعداد كبيرة من اعضائه ومؤيديه فى السجون لسنين طويلة, ولكن تبقى الضربة القاضية التى وجهها صدام حسين للحزب بعد الاتفاق على مشروع “الجبهة القومية التقدمية” فى منتصف السبعينيات مازالت تداعياتها مستمرة ليومنا هذا. لقد سمح بموجبها بداية العمل العلنى للحزب وفتحت مكاتب واخذت الجريدة الرسمية ” طريق الشعب” تصدر واخذت تعقد الندوات
والاجتماعات العلنية, وكان حزب البعث يرصد هذه النشاطات ويدون عناوين الاعضاء, سكناهم واماكن عملهم ورغباتهم الشخصية ايضا. لقد قدم الشيوعيون انفسهم لصدام حسين وحزب البعث لقمة سائغه سهلة الهضم ومن دون عناء. وفى ساعة الصفر تم اعتقال العديد من القادة والاعضاء وهروب وتشريد من استطاع الوصول الى الدول المجاورة ومنها الى اوربا كلاجئين والبعض منهماستطاع الاقامة فى الدول الاشتراكية. ان اشكالية هذا الاتفاق مع البعث وصدام حسين بالذات تحمل الكثير من الاسئلة, اما االاجوبة الصحيحة عليها فانها لا تشرف الحزب ولا تعبر عن عمق كبير والقدرة على تحليل الاوضاع وفهم وادراك العدو واساليبه, وكانه لم يتعلم من تجربته المريرة فى العمل النضالى اليومى منذ سنين, او انه لم يعيش انقلاب الابادة فى عام 1963, او انه لم يكن مستقلا فى قراره السياسى!!
ان تناول موضوع الحزب الشيوعى العراقى لايمكن فهمه وادراكة كحزب ثورى من دون الرجوع الى ثورة اكتوبر التاريخية والمشاكل الكبيرة التى جابهت الثوار فى تحديد مسار الثورة, هل ستكون اشتراكية ديمقراطية ام اشتراكية ديكتاتورية البروليتاريا والحزب الثورى القائد والديمقراطية المركزية؟؟
روسيا القيصرية المترامية الاطراف جغرافيا والتى يغلب عليها طابع الانتاج الزراعى المتخاف, ووحدات الانتاج الزراعى الصغيرة, والذى يقدر عدد السكان الريفيين بـ ¾ من اجمالى السكان, حيث تسيطر عليه الارستقراطية وكبار الاقطاعيين( الكولاك). ان التخلف فى تطور قوى الانتاج فى الزراعة ينعكس فى تخلف التفكير الحداثى وسيطرة التقاليد والاعراف والسحر والشعوذة على تفكير وسلوكيات الفلاحين, هذا يعنى ان رصيدا ثوريا لدى الفلاحين لم يكن متوفرا بالرغم من توفر شروط قيام الثورة. اما عن الانتاج الصناعى فقد كان يغلب عليه العمل اليدوى والورش الكبيرة. لقد تطورت مراكز صناعية فى بعض المدن الروسية التى تقوم على اساس الانتاج الراسمالى بالاضافة الى ما قامت بتاسيسه حكومة الثورة من مصانع حديثة, ولكن فى نفس الوقت لم تكن من الناحية الكمية مؤثرة فى رسم معالم مجتمع صناعى راسمالى, كما ان عمال الصناعة لم يطور لهم وعيا طبقيا ولم يكونوا منظمون فى حزب ثورى.
كان لينين ينطلق من نظرية ماركس بان “مستوى تطور قوى الانتاج يحدد اتجاه ومسيرة الثورة, وبالتالى تنشأ بالضرورة علاقات جديدة فى الانتاج,” وكان ماركس ينظر الى الدول الغربية الصناعية الراسمالية المرشحة والتى سوف تنطلق منها ثورة البروليتاريا. ولكن واقع روسيا قبل وبعد نجاح البولشيفيك فى الوصول الى السلطة لم تتوفر فيها هذه الشروط المبدئية. كان لينين يعتقد بان الوعى الطبقى للعمال ينتقل اليهم من الخارج, يعنى بواسطة المثقفين الثوريين, انه لايتطور لهم تلقائيا, وكان يعتقد فى امكانية انتقال الاشتراكية الديمقراطية الى ديمقراطية الاشتراكية البروليتارية اذا ارتقى مستوى تطور قوى الانتاج, واذا انبثقت الثورات فى الدول الراسمالية الغربيه, والتى سيكون فيها امكانية نجاح “الثورة فى روسيا كبيرا. هذا يعنى ان الثورة البروليتارية هى ثورة عالمية اصلا., الا ان هذا التوقعات كانت متفائلة جدا, ان الثورات فى الدول الراسماليه لم تحدث وبالعكس فأن ميلا اخذ ينمو نحو الاستقرار والتثبيت , ولذلك فان روسيا الثورة اصبحت فى عزلة, انها لوحدها تحمل راية “ثورة البروليتاريا”
ان نجاح البولشفيك فى تفجير الثورة ووصولهم الى السلطة لم يغير فى هذه الفترة القصيرة من واقع روسيا المتخلف ولم يستطيع مشروع الخطة الخمسية والسياسة الاقتصادية الجديده (ان اى بى) من الارتقاء بمستوى قوى الانتاح على الرغم من اعتمادة مبدا اقتصاد السوق. ان هذا الاتجاه لم يكن باتجاه بناء الاشتراكية, كما يقر بذلك لينين” انها الهزيمة الاولى والتراجع الستراتيجى”. ان اشكالية الثورة الاشتراكية البروليتارية بدت واضحة للعيان من خلال فشل تحقيق المنطلقات الاولية والتصورات لبناء الاشتراكية. بعد وفاة لينين الذى استطاع احتواء وتحديد الخلافات حول بناء الاشتراكية فى الحزب البلشفى, الا انها قد اندلعت, ورغم كل الخلافات الايديولوجية والشخصية فقد كان الاتفاق حول تصنيع روسيا يشمل الجميع, انه القاسم المشترك.
تبلور تيارين, الاول يتزعمه ليو تروتسكى والذى يؤكد على انهاء حالة العزلة واعادة العمل الثورى فى الغرب, والتاكيد على التصنيع ونهاية حالة الاقلية لللطبقة العاملة. وعلى ارتفاع اسعار المنتوجات الصناعية بحيث يتم تمويل الصناعة على حساب الفلاحين وكبار الافطاعيين ( الكولاك). اما الاتجاه الاخر فقد تزعمه ستالين وبوخارين والذى ينطلق من مبدأ “بناء الاشتراكية فى البلد الواحد”. هذا الاتجاه قد حصل على الاغلبية الحزبية وقد اصر ستالين منذ 1925
على مشروعه. ان ستالين وبوخارين قد تجاهلوا اوضاع روسيا المعقدة واعتبروا “هذا الواقع هو اشتراكية الواقع”. ان تأمين السلطة والحفاظ عليها اصبح العنصر الرئيسى للسياسة السوفتية: الحرب الشعبية المستعرة وذكريات شيوعية الحرب وعدم حدوث الثورات فى الغرب, قد عجلت وفرضت عملية التصنيع على سلطة البوشفيك فى اطار بناء الاشتراكية فى البلد الواحد. ان عدم وجود حلول فاعلة للازمات, فرض استخدام العنف ضد المعارضين وتحول فى عهد ستالين الى نظام ارهابى ممنهج ومبرمج. والحقيقة فانه رجوعا الى مستوى تطور قوى الانتاج, فانه لم تتوفر امكانية اخرى لحصول شىء اخر. ان هذا الارهاب قد شمل خيرة المثقفين والحزبين الملتزمين, وفتح المجال امام الانتهازيين ورواد المناصب وقمع التوجهات الديمقراطية.
2–
مازلنا فى مرحلة التعليم المتوسط, وفى محلتنا السكنية “محلة صبابيغ الال” فى
مركز بغداد, وبالقرب من شارع الرشيد الذى شهد مظاهرات عارمة ضد السلطة الملكية, كان العديد من شباب منطقتنا مسيسون بشكل او باخر, كانوا طلابا بالكليات, والذين اكبر منهم سنا كانوا موظفين او مستخدمين فى دوائر الدولة واخرون عاطلين عن العمل. كان العديد منهم يلتقون فى الطريق المؤدى الى “سوق الدهانة” وعند مدخل المحلة يتبادولون الاحاديت التى كانت فى الغالب تدور حول البلد ومشاكله والعطالة واليوميات العامة. وعلى فكرة فقد كانت محلتنا محسوبة على التيار اليسارى, اوعلى اقل تقدير من مؤيدى”الحزب الشيوعى.” كان هؤلاء الشباب والموظفين يعاملونا بكل ادب واحترام وفى ساعات احاديهم كنا نقف جانبا وننصت لما يتبادلونه من كلام واحاديث. من الاحاديث التى ضلت عالقة فى ذاكرتى ما أكد عليه احد الموظفين: ان الاطباء الروس قد اخترعوا ادوية لها القدرة على اطالة عمر”الرفيق ستالين” الى مئتى عام, واضاف انه سوف “يدوخ” الغرب, وفى مناسبة اخرى سمعنا بفرح كبير: ان الدولة السوفيتية تتولى تربية الاطفال ورعايتهم, حيث تأخذهم من عوائلهم ويقيمون فى الاقسام الداخلية وهى تسهر على تغذيتهم واوضاعهم الصحية والتعليمية. ان ما نسمعه وما نشاهده من فقر وعوز يعانى منه التلاميذ العراقيين, كان له تاثيرا بالغا فى نفوسنا. وفى مناسبة اخرى صرح احد الاخوان
ان العطالة فى الاتحاد السوفيتى غير موجودة, وكل انسان له الحق فى العمل. عموما فان ما ينقل عن الاتحاد السوفيتى ونظامه الشيوعى كان مشجعا جدا وفى غاية الانسانية. ماذا يطمح الانسان اكثر من يجد الرعاية الاجتماعية والصحية والعمل الذى يؤمن له دخلا يعيش به هو وعائلته؟؟ …برشت يقول, المعدة اولا!!
كان هذا الاسلوب يمثل الدعاية بشكل عام ويستخدم فى كسب الانصار والمؤيدين ويقوم على عرض الصورة المثالية عن الاشتراكية والاتحاد السوفيتى , وكان يضاف اليه النجاحات التى يحققها الرياضيون السوفيت ومواطنى الكتلة الشرقية فى المباريات الدولية والدورات الاولمبية, وبالاضافة الى النجاحات التى تحققت فى غزو الفضاء. هذة كلها تؤكد على ارجحية النظام الاشتراكى على النظام الراسمالى. ان الاشكالية الصغيرة كانت تنحصر وتسبب احراجا كبيرا للرفاق حينما يكون الكلام حول ارجحية سيارة “الموسكوفيتج” على السيارات الغربية الصنع والامريكية بالذات.
حينما سافر يوسف سلمان يوسف- فهد الى الاتحاد السوفيتى للدراسة والتعليم, كان ما يدرسه فى الجامعة وما يقراه فى الجرائد وما يسمعه ويتم التداول به فى الاجتماعات الحزبية, هذه جميعا لها لون ومذاق وايديولوجية واحدة, النظرية الماركسية اللينينية ,”الستالينية”, بمعنى ان ستالين هو ما تتجسد فى شخصه النظرية الماركسية وانعكاسها على الاتحاد السوفيتى, وستالين القائد بجبروته وشخصه قد احاط نفسه بهالة من العبقرية والتقديس, ستالين كان هو الاتحاد السوفيتى. كان الاتحاد السوفيتى قد قطع شوطا كبيرا فى نظرية بناء الاشتراكية فى البلد الواحد, وتم تغير قانون الملكية والتصنيع اخذ مسارا سريعا, بالاضافة الى تثبيت سلطة الدولة وبناء جهاز قمعى وارهابى وقد اجهز على كل المعارضين واصحاب الراى الذى تم تصفيتهم او ابعادهم الى سبيريا بمختلف مفردات قائمة الاتهامات المشينة: تحريفى, متخاذل, متامر, خائن, جبان انتهازى…الخ. ما كان يدرسه فهد, هى النظرية الوحيدة الصحيحة المطلقة وفقا لنظرة ومفهوم ستالين, ومن دون شك انه مقتنع بها ولايعارضها, ولانه ايضا لايعرف غيرها, انها اخذت صيغة العقيدة المقدسة. واذا كان ما يدور هنا وهناك من كلام حول النظام البوليسى القمعى, فهذا بالنسبة للرفاق امرا تفرضه الضرورات وصعوبات المرحلة والعدو المتربص لاحباط هذه التجربة التاريخية الفريدة. فى هذا الاطار فان ديكتاتورية البروليتاريات هى فى واقع الامر
(دكتاتورية الحزب الشيوعى) انه امر مسلم به ولايحتاج الى نقاش وكذلك الانضباط العالى لكوادر الحزب والديمقراطية المركزية.
لايوجد اى شك فى وطنية وشجاعة واخلاص فهد للحركة النضال والتحرر فى العراق والعالم اجمع, وانه كذلك فوق جميع الوان الشبهات التى اطلقت او يمكن ان تطلق هنا وهناك وهو ايضا من الشخصيات العراقية الفذة الرائدة.
ان ما تعلمه وعايشه فى الثلاثينيات فى الاتحاد السوفيتى, بالاضافة الى الكتيبات الاشتراكية التى قد وصلت الى العراق عن طريق سوريا ولبنان تكاد تشكل ثقافته بشكل عام, وكذلك تقافة الرفاق جميعا, وعندما عاد الى العراق فقد قام ببناء الحزب الشيوعى العراقى مع رفاقة فى محاكاة لتجربة الحزب الشيوعى السوفيتى وستراتيجية وتكتيك البولشفيك: بناء الحزب,الديمقراطية المركزية, الثورى(الحزبى )المحترف والانضباط العالى بالاضافة الى نظرية بناء الاشتراكية فى البلد الواحد التى اتخذت كحقيقة فريدة ناصعة مطلقة. جاء فى رسالة فى شؤؤن التنظيم والاتجاه, ما صدر عن”الرفيق صارم” يقول فيها “اشتراكية علمية- لا اشتراكية طوبائية, ماركسية لينينية, لا تروتسكية مارنوفية, حزب شيوعى لا اشتراكية ديمقراطية”,”الرفيق صارم- الحوار المتمدن فى 9/6/2010 . ان هذا الكلام هو فى واقع الامر ترديد ساذج لما يحصل وحصل فى الاتحاد السوفيتى, ومن كان يعلم بتفاصيل الخلافات التى كانت تدور حول بناء الاشتراكية.
تكاد ان تكون احوال العراق اكثر تخلفا, بعد خمسة قرون من احتلال التخلف العثمانى, عنها فى روسيا عندما قامت ثورة اكتوبر1917. ان القيصر الروسى قام بحركة اصلاحية فى منتصف القرن التاسع عشر واخذت روسيا القيصرية تتعامل بمقومات الحداثة من صناعة وتنظيم عسكرى وافكار, الا ان الحداثة قد دخلت العراق مع الاحتلال البريطانى للعراق 1914. هذا يعنى ان مستوى تطور قوى الانتاج, الى سنة تاسيس الحزب الشيوعى فى الثلاثنيات كان قائما على الانتاج الزراعى المتخلف وسيطرة الاقطاع وتكاد غالبية السكان تسكن الريف وتعيش على الزراعة, اما عن الصناعة فقد كان العمل اليدوى الذى يحصل فى الدكاكين وبعض الورش الانتاجية, كما ان صناعة النفط لم تكن قد اخذ مسارها بعد. هذا يعنى ان اشكالية الانتقال من( نظام الانتاج الاسيوى!!) نظام الانتاج ما
قبل الصناعة الى الاشتراكية بقيادة البروليتاريا تعنى حرقا للمراحل وتجاوزا لقوانين التطور الاقتصادى/ الاجتماعى, متجاهلا النظام الراسمالى وقدرته على تطور قوى الانتاج وبناء الاشتراكية الديمقراطية, ان هذا الموقف النظرى يدعو الى تساؤلات كثيرة, هل يمكن لحزب ان يرفع شعار دكتاتورية البروليتاريا دون وجود صناعات كبيرة وبروليتاريا فاعلة!!, ولاسيما يخضع مباشرة تحت الاستعمار والسلطة الاجنبية. واذا سلمنا بأهداف وستراتيجية الحزب, هل سوف يستطيع دحر الاستعمار, واذا دحر الاستعمارفسوف نقف امام معضلة:”ما العمل” ؟.ان مثل هذا المشروع ينذربالفشل والتضحيات الجسام, وبناء ونظام قمعى لابد منه.
نجح الحزب الشيوعى فى كسب مؤيدين وانصار فى مختلف قطاعات واوساط المجتمع العراقى والذين تحول عددا منهم مع الوقت الى مرشحين ومن ثم الى اعضاء فاعلين فى الحزب, ولابد من الاشارة الى ان كل درجة فى التواصل مع الحزب تخضع الى عدد من الاختبارات التى تساعد على رسم المعالم الشخصيه للمرشح. اخذ الحزب يصدر جريدته الرسمية (القاعدة) ووكتيبات التثقيف واصدار المنشورات السياسية حول مختلف الاحداث السياسية وخاصة فيما يتعلق بسياسة الحكومة ومشاريعها, وكانت هذه المنشورات والادبيات تلقى رواجا كبيرا من قبل الانصار والمؤيدين والتى تعتبر جزءا مهما من عملية الكسب والتثقيف والاعداد للعمل فى اطار منظور الحزب للاوضاع فى العراق. فى الحقيقة فقد استطاع الحزب خلال سنين قليلة ان يكون جبهة واسعة ونشيطة فى كل قطاعات الدولة والمجتمع خاصة فى ( المدارس, الكليات, الجيش وفى بعض المصانع القليلة ايضا) ومستعدة للعمل فى كل فترة ونوعية الاحداث ومستجدات السياسة الحكومية. ان اعضاء الحزب والمؤيدين يغلب عليهم طابع المثقفين والطلبة والذى ترجع خلفيتهم الى الطبقية الوسطى والبرجوازية الصغيرة, مع عدد محدود من العمال والفلاحين.
كانت سياسة الحزب تقوم على اسقاط الحكومة والنظام الملكى الذى اوجده الاستعمار, هذه السياسة جعلته بعيدا عن اى تطور يمكن ان يحصل فى البلد او يساهم فيه او ان يكون مراقبا ايجابيا, وعلى العكس فقد استخدم مختلف الوسائل الدعائية فى تحشيد الجماهير وتهويل الاحداث للوقوف والعمل ضد الحكومة, والمثير فى الموضوع ان المسميات التى كان الحزب يوصف ويشخص بها
الحكومة, وبالمقابل وردية الاوضاع فى الاتحاد السوفيتى, كان لها قاسم مشترك: مناشدة العواطف وتعطيل العقل, وهى من البساطة بحيث يتقبلها الجميع, انها تنفذ سريعا نحو المشاعر والعواطف والتمنيات والاخلاقيات وتبعث الحماس على العمل والمعارضه, بحيث يشعر المتلقى والمرسل بحالة من الزهو والاعتزاز والثقة والتفانى بالعمل: انهم يقدموا للمجتمع والنا س الطيبين المستقبل الافضل السعيد,هؤلاء النشطاء المحملين بالطاقة والامل الذى لا ينضب,” برمزية الرباط الاحمر والجريدة او الكتاب” الذى دائما يحملون, يتصرفون كالدعاة المبشرين الذين يوصلون رسائلهم الى الوثنيين الجهلة ويقدموا لهم الخلاص بالدين الجديد. لقد اصبح رمزا لوطنيتهم واخلاصهم واستعدادهم للتضحية والتفاخر, الاعداد الكبيره من السجناء فى “نقرة السلمان” وسجون بشعة اخرى, ذلك وفقا لمنطق: ان الحكومة تسجننا وتطاردنا, فنحن بالضرورة الاحسن ونمثل الخطر الاكبر للحكومة. هذا يعنى اننا المناضلين الحقيقيون فى الساحة العراقية!!. ان المسيرات والمظاهرات التى كان الحزب فعالا فى الدعوة لها وتنظيمها وقيادتها تكاد تكون متواصلة ولا تخلوا منها فترة شهرين, كما يمكن خلقها والعمل من اجلها, وتنتهى غالبا بمجابهات مع رجال الامن واعتقالات والحجز المجدد لعدد من الانصار والاعضاء, وتأكيد اخر لقوة الحزب وبطولة واخلاص مناضليه والتاكيد المجدد على شرعيته.
ان نجاح الحزب الشيوعى العراقى فى تكفير الحكومة واتهامها بالعمالة والخيانة الوطنية ووصفه المشاريع الاروائية وبناء السدود ( مشاريع مجلس الاعمار) مشاريع ستراتيجية موجهة ضد الاتحاد السوفيتى, لم يكن خطأ فادحا وانما جهلا كبيرا بالتنمية الاقتصادية الاجتماعية وضروارات مرحلة التحرر والبناء الوطنى بالاضافة الى رفضه القاطع لمحاولة الحكومة فتح المجال للاستثمار الاجنبى, فى وضع كان الاستثمار ضروريا لجلب تكنولوجيا حديثة وتشغيل العمال العراقيين. لقد استطاع الحزب خلق جوا من العداء والتناقض بين الشعب والحكومة,انها حالة الانفصام التى توسعت وكبرت مع الزمن, قد انعكس فى سلوك المواطن تجاة الدولة واخلاقيات العمل والملكية العامة والتى عملت على اضعاف شعور الانتماء والهوية الوطنية, هذا يعنى ان ما تقوم به الحكومه وتقدمه بشكل مشاريع خدمية كجزء من منظومة البنى التحتية لم تصل الى عقل وضمير المواطن المثقل بمشاعر الرفض والخيانة. ان هذا التحشيد والتعبئة الجماهيرىة
والسيطرة على الرأى العام, بما لايتناسب مع تطور قوى الانتاج, قد قلب المعادلة من ان “تطور قوى الانتاج تقود الى الثورة وتفرض علاقات انتاجية جديدة” جعل من البناء الفكرى, اللفظى, الجزئى , الفرعى غير المتكامل وغير المتجانس الرافض وذو الاتجاه الواحد, يعجل من “ثورة الضباط الاحرار” التى حدثت قبل اوانها على اقل تقدير بعشر سنوات, كان هذا ايضا سببا مباشرا فى قصرعمرها ونهايتها الكارثية المفجعة. انه ايضا فشل الحزب الشيوعى فى ادارة الساحة العراقية بعد التغير, خاصة فى اتخاذ سياسات وقرارات كانت كارثية على الحزب وعلى مستقبل العراق, وكيف له ان يتخذ سياسة صحيحة فى قيادة الجماهير حيث كانت علاقته بها تكاد ان تكون مقتصرة على المنشورات التعبوية, وعجز متراكم فى ممارسة الديمقراطية. كانت فى الواقع اخطاء الحزب منطقية جدا وكان لابد لها ان تحصل.
ان النقد الذاتى الذى قام به الحزب لاحقا كان محددا فى اخطاء مرحلة “ثورة تموز”. الا ان تبنى الموديل السوفيتى من دون اى تحفظ, تقليد غير واعى وتبعية مطلقة لا تختلف عن العلاقة بين الغالب والمغلوب فى المراحل الاستعمارية. من ناحية اخرى فأن الحزب الممنوع المطارد الذى يعمل بقاعدة الديمقراطية المركزية, ليس له الخبرة فى التعامل مع الجماهير بالحوار والديمقراطية فى الظروف العادية او الحرجه.
اننى على ثقة تامة, لوكان تبنى الحزب الشيوعى ستراتيجية الاشتراكية الديمقراطية والمساهمة الفاعلة فى بناء الاشتراكية الديمقراطيه والعمل من اجل التنمية وتفعيل الحداثة وطرح مشروع تنموى وطنى معاصر, بعيدا عن ديكتاتورية البروليتاريا, وبقدراته الهائلة على التنظيم والعمل, وبكوادره النشيطة المثابرة والعقائدية كان وضع الحزب وحال العراق شىء اخر وكان بامكانه ان يتولى السلطة فى العراق منذ سنين!! لازال الحزب الشيوعى على تفكيره وتصوراته القديمه بالرغم من التغيرات التى حصلت دوليا ووطنيا وقوميا. انها خرافة كبيرةان ينجح الحزب الشيوعى العراقى فى ان يكون سياسيا واجتماعيا فاعلا فى ديمقراطية المحاصصه والهيكلية الغريبة للنخب الحاكمة.
انه محزن حقا ان يكون وضع الحزب الشيوعى بعد التغيير الذى حصل بعد 2003 ان يكون هامشيا الى هذه الدرجة وهو اقدم الاحزاب السياسية. ان هذه الحقيقة تدعو الى المصارحة مع الذات, مع الافكار, الحرص على الثقافة الخلاقة
وليس حفظ النصوص, ومراجعة التجربة السوفيتية بعقل وقلب مفتوح. ان التفكيرالعلمى والمنهج الماركسى خلاق وديناميكى ولا يعرف الجمود.
د. حامد صادق السهيل [email protected]
ان نجاح ثورة اكتوبر بقيادة الحزب الشيوعى والصراعات الكبيرة التى قادها لينين ضد المنشفيك والمركزييين لا تبطل اشكالية بناء الاشتراكية فى بلد نامى, , هذا يعنى وفقا لمبدئية ماركس: ان مستوى قوى الانتاج يحدد نوعية العلاقات الانتاجية, بمعنى ان مستوى تطور قوى الانتاح هو الذى يحدد اتجاه الثورة ومهماتها, اذا كنت قوى الانتاج فى اطوارها الاولية, القطاع الزراعى مازال يقوم على الوحدات الصغيرة والاساليب التقليدية, والصناعة تقوم على الورش الانتاجية والعمل اليدوى, فان الثورة فى هذه الحالة تاخذ مسار تحقيق الاشتراكية الديمقراطية وتطوير قوى الانتاج والعلاقات الراسمالية فى العمل والانتاج تقومالبناء الفوقى يكون محصورا بالارستوقراطية وصغار الراسماليين, والتى لاتفرض علاقات انتاج جديدة تجاوز العلاقات الانتاجية فى مرحلة الراسمالية المتقدمه. ان الستراتيجية التى التى يضعها الحزب الثورى يجب ان تقوم على تطور علاقات راسمالية والعمل على اعداد مشروع مرحلة التحرر الوطنى وبناء الديمقراطية. التى تمن ناحية اخرى ان اشكالية عملية البناء فى غياب الديمقراطية قلة الكوادر التى تتمتع بالاخلاقيات الاشتراكية والكفاءة المهنية.
ان نجاح الحزب الشيوعى الروسى بقيادة لينين فى تفجير” الثورة” لم يحصل نتيجة صراعات لسنين طويلة فى مسيرات وتظاهرات جماهيرية تعتمد على ثورة وعصيان شعبى استمر بضعة سنين, او حرب شعبية انطلقت واخذت تحرر مناطق واقاليم وتقييم عليها “نظامها الاشتراكى” وتستمر الى ان تحرر بقية المقاطعات وتطرد النظام الفاسد المتخلف المتهالك وتخلق حالة جديدة لها قوانيينها وانظمتها واسلوبها فى الحياة. ان هذه المسيرة الطويلةلتحرير الارض والشعب واقامة النظام الجديد على مراحل لها اهمية كبيرة فى عملية الاختيار والتجريب وتطوير الكوادر مهنيا واخلاقيا, بما يضمن الى حدما نجاح التجربة الجديدة وياخذ مجال العمل والتطبيق حيزا كبيرا فى تطوير وممارسة الحقوق المدنية للافراد والجماعات فى اجواء وفضاءات من الديمقراطية واحترام الاخر والتفاعل معه. ان هذه العملية ضرورية واساسية فى بناء الانسان الجديد الذى قامت الثورة من اجله.
ان نظرية لينين فى بناء حزب من الكوادر المنظمة المدربة والمحصنة بـ”النظرية الاشتراكية” وفى ظروف العمل السرى ومطاردة الشرطة واجهزة الامن, لايمكن ان تتوفر فى عمله مجالا للنقاش والتصحيح واعادة النظر, خاصة والعمل بقاعدة ” الديمقراطية المركزية” ووجود “القائد” المجرب الذى يطرح دائما ” ما العمل” الحلول المناسبة تكتيكيا وستراتيجيا. اذن ان العملية النضالية الكبيرة ضد النظام والصراع مع ” التوفيقيين والمنحرفين” صراعات تحصل بين النخب السياسية المثقفة وبعيدة عن الشعب , انها لايمكن ان تكون جماهيرية.
ان القرارات الثورية التى اصدرها الحزب