لم يبلغ العراق سن الرشد منذ إنشاء دولته وحتى اليوم , ولا يزال في حالة المراهقة المزمنة , التي ألحقت به الويلات , وأورثته التداعيات وجعلته متوحلا في المآسي والملمات.
ولكي يبلغ سن الرشد عليه أن يعي ثلاثة سلوكيات جوهرية أوصلته إلى أرزء الأحوال وأعظم الخسران.
أولهما: فشله في إدراك قيمة الجيران
العراق من أفشل دول الدنيا في مهارات إقامة العلاقات مع جيرانه , وقد جنى من هذا الفشل خسائر مروعة على مدى ما يقرب من قرن , وجميع ما حصل على أرضه كان ولا يزال بسبب هذه الغفلة والعجز والقصور , وقلة الخبرة والجهل والأمية الدبلوماسية الساطعة المؤكدة بالأدلة والبراهين , بما جلبته من مخاطر وأحداث وحروب وصراعات دامية , وصلت إلى إستهداف ذاته وهويته ونسيجه الإجتماعي والعقائدي والحضاري والإنساني.
ثانيهما: الإقران السيئ بالحالات
تعيش البلاد منذ تأسيسها حالة من الإقرانات السيئة , التي تحيل ما هو جيد وصالح إلى خبيث وطالح , وما هو يسير إلى مرير وعسير.
ويساهم الإعلام وتصريحات المسؤولين بهذا السلوك الخطير , الذي يكلف البلاد والعباد خسائر منقطعة النظير.
وذلك بأن تُقرن حالة أو مجموعة أو حزب بما هو مشين ويوجب التدمير والعدوان , ومع توالي الإقران يصبح ذلك الإسم تعبيرا عن الذي تكرر أقرانه به.
ومَن ينظر في أحوال البلاد والعباد يجد تأثيرات هذا الإقران.
ثالثهما: غابية الطباع
عندما ينتصر الأسد على غريمه في الغاب , أول ما يقوم به هو القضاء على ما يمت بصلة إليه , وهذا ما تحقق في جميع الأنظمة السياسية المتوالية , فاللاحق يمحق ما يمت بصلة لسابقه دوما وأبدا , وما إعتبر نظام واحد وإتعظ , وفي هذا السلوك الغابي تأسيس لدائرة مفرغة من العدوانية , التي تتسبب في خسائر وطنية وإنسانية كبيرة جدا.
وهذا لا يحصل في مجتمعات أخرى , ودول متنوعة في هذا العالم , فلماذا لم نتعلم من تجاربنا , ومن سلوك الآخرين؟!
إن وعي هذه الحالات وإدراك المفاهيم الحضارية المعاصرة المتصلة بها , هو الذي سيساهم في خروج البلاد من ورطة الضياع والإتلاف الشامل , التي تتجسد في التفاعلات الحاصلة فيها.