تعمد الولايات المتحدة الاميركية الى المحافظة على صورة الهيمنة والقوة والتسلط الذي لا فكاك منه التي رسمتها لنفسها في اذهان الشعوب وتعمد الى اثارة الفوضى واشعال الحرائق في المناطق المستهدفة وفق آلية ادارة معقدة للصراع تعمل على توفير واحداث توازن دقيق بين القوى المتصارعة والتي يقف بعضها في موقع الخصومة الاستراتيجية وليس التكتيكية لواشنطن فيما قد يدعي
الاخرون خصومتها لكنهم يقفون في موقع تنفيذ اجنداتها. هذه الادارة الدقيقة والمتوازنة للصراع دشنتها واشنطن بعد احتلالها للعراق عام 2003 ونجحت في ادارة الصراع ما بين اطراف في المشهد السياسي العراقي مؤيدة للواقع الجديد وما بين اطراف اخرى اتخذت من سلوك طريق المعارضة المسلحة سبيلا لفرض رؤاها ما أدام واقع الانقسام والتشظي في الداخل العراقي الى
الوقت الراهن، وتعتمد واشنطن نفس الاسلوب في ادارة الصراع الاقليمي بين القوى المتصارعة مع محاولة احداث التوازن المطلوب لإدامة هذا الصراع الى حين فرض وصفتها للحلول. اختلال التوازن في الساحة العراقية بعد دخول تنظيم داعش بفعل بروز فصائل المقاومة والحشد الشعبي الذي لعب دورا مؤثرا خلط الاوراق واعاد تنظيم الاولويات وقراءة الحسابات الاميركية وابطل العديد من مخططاتها فلا واقع التقسيم قد تم فرضه ولا قانون الحرس الوطني تم اقراره ولا اسطورة تنظيم داعش واصلت ارسال رسائل الصدمة والرعب وما يستتبعها من محاولات ابتزاز وفرض امر واقع ولا عملية اسقاط مدينة الرمادي حققت اهدافها ما دفع واشنطن الى اعادة النظر في خططها ليقرر الرئيس اوباما ارسال 450 عسكريا اميركيا وليعلن بعدها قائد الاركان الاميركية
المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي عن “إن الخطط العسكرية الأمريكية في العراق قد تتطلب افتتاح عدة معسكرات عراقية قرب الخطوط الأمامية للقتال مع تنظيم داعش، ما سيتطلب إرسال المئات من الجنود الأمريكيين لتنفيذ الاستراتيجية القائمة على توسيع أماكن الانتشار والسيطرة وان هذه الخطة قد تستخدم في أماكن أخرى بالعراق، مضيفا أن هذه الاستراتيجية، المعروفة
باسم “ورد النيل” في إشارة إلى نوع من النباتات ينمو فوق سطح الماء، ستقدم المزيد من الدعم للقوات العراقية على خطوط القتال المتقدمة”.
فيما تحدثت مصادر عسكرية عن “وجود ثلاثة أو أربعة مواقع مقترحة لنشر القوات الأميركية في العراق بحال قرر البيت الأبيض ذلك، مضيفة أن استراتيجية “ورد النيل” ستساعد على تأمين المناطق المحيطة بالقواعد العسكرية الأمريكية وتوفير الظروف المناسبة لتوجيه ضربات جوية دقيقة وسريعة لأهداف تابعة لداعش”. انقاذ المشروع الاميركي في العراق من خلال محاولة استعادة
الهيمنة على الارض عبر توسيع الحضور الاميركي ومضاعفة مساحة النفوذ والسيطرة ومزاحمة فصائل المقاومة التي سارعت للاستمكان في محافظة الانبار ولم تنجر للفخ الذي نُصب لها فيها وادركت مخاطر حرب الاستنزاف المرسومة لها مع تنظيم داعش ما ينذر بمواجهة مع فصائل المقاومة والحشد الشعبي ومحاولة اخراجها وخصوصا من الانبار – المحافظة التي يعقدون عليها الامل في تحقيق مشروعهم – وتفعيل عملية تنظيم الفصائل السنية المعارضة المسلحة والعمل على الدعم اللامنظور لتنظيم داعش ومواصلة اللعب بورقته واحتمالية اسقاط مدن اخرى كما حدث في الرمادي لتبرير التواجد الاميركي فضلا عن مضاعفة الدعم للبيشمركة الكردية وتفعيل الدور الاستخباري الاميركي قد تكون هي ابرز غايات زيادة العسكريين الاميركيين الاخيرة ومحاولة انشاء
قواعد جديدة. لكن واشنطن لا تدرك ان فيتنام جديدة قد تكون بانتظارها في وطن لا يملك شعبه خيارا آخر غير المواجهة والدفاع عن وجوده ومقدساته.