22 نوفمبر، 2024 1:59 م
Search
Close this search box.

أطفال داعش قنابل المستقبل المفخخة

أطفال داعش قنابل المستقبل المفخخة

لا تقتصر خطورة تنظيم داعش على التخريب و الدمار الذي يمارسه في المدن المحتلة فحسب ، ولا على تدمير النسيج الاجتماعي من خلال القتل والتهجير والطائفية ، لكنه يهدف ، مثل كل التنظيمات المتشددة الراديكالية إلى إنشاء جيل جديد منقطع عن جذروه الوطنية وهويته المحلية إلى فضاء الجهاد العالمي ، هذا الجيل الذي كان يحلم به سيد قطب لأجل إعادة بعث الإسلام بين الأمة التي عانت من النظم والأفكار والقوانين والعادات والسلوكيات الجاهلية ، فان بعث الجيل الفريد على منوال جيل الصحابة الأوائل ، يحتاج إلى صناعة تتمثل في فترة حضانة وتكوين يتجرد فيها من مؤثرات الجاهلية ، يرجع فيها إلى النبع الخالص، النبع الذي لم تلوثه شائبة وهو القران الكريم ، والتخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصورات الجاهلية ، وصولا لتغيير الواقع الجاهلي من أساسه في نفس الفرد والمجتمع بفعل انقلاب تقوده الطليعة التي يمثلها هذا الجيل.

استوحى تنظيم القاعدة من فكرة نشوء الجيش الانكشاري العثماني ، في أيام توسع بني عثمان نحو أوربا ، حيث تأسس هذا الجيش العقائدي من خلال خطف أطفال الكفار المسيحيين ، كما يشير الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، و من ثم تجنيد الأطفال في مدارس خاصة بهم ، و إعطاءهم دروسا عقائدية ، فتكون الدولة العثمانية أمهم و الجيش بيتهم و الخليفة العثماني أبوهم.

لذلك عملت القاعدة ، وبنصيحة من المصري أبي أيوب المهاجر ، منذ أول أيام نشاطها على تجنيد الأطفال و المراهقين ، لعدة أسباب منها لان الطفل يؤمن بطريقة التلقين بسهولة ، ويقتنع بسرعة ، و يفكر بطريقة حدية ، كما أن فترة المراهقة بعنفوانها يحاول فيها كل مراهق أن يثبت وجوده للمجتمع عن طريق التحدي و التمرد على كل من أو ما يتعامل معه على انه طفل ، و في الأغلب يعشق الفكر المتشدد يخيف من خلاله المحيطين به . ويعتبر تنظيم فتيان الجنة أول محاولة علنية من تنظيم القاعدة ومن ثم تنظيم دولة العراق الإسلامية في عهد أبي عمر البغدادي هو أول إعلان رسمي وموثق من هذا التنظيم في تجنيد الأطفال. وكان يتم تجنيد الأطفال و المراهقين في المناطق الساخنة ، ويختارون المراهقين من عمر 11-16 ويكلفون بمهام انتحارية أو شبه انتحارية تستهدف دوريات الأجهزة الأمنية والصحوات و السياسيين و حتى الأسواق العامة. وكان أيوب أحمد علي الحشماوي المكنى “أبو آمنة وأبو عامر”مسئول تنظيم فتيان الجنة وبعد اعتقاله في عام 2008 ، أدلى بمعلومات تشير إلى أن تنظيم فتيان الجنة يحظى بدعم خاص وإشراف مباشر من أبي عمر البغدادي و أن تمويله يفوق تمويل بقية تشكيلات القاعدة. وفي أعوام 2006 وصاعدا ، انتشرت مقاطع فيديو لصبية ينتمون له يتدربون في

ساحات مساجد في ديالى و الانبار و حزام بغداد و أطراف صلاح الدين و الموصل و الحويجة قبل أن تسيطر الدولة العراقية على هذه المناطق لاحقا ، فعمد التنظيم إلى زجهم في عمليات انتحارية . بعد ظهور تنظيم داعش تنامي تجنيد الأطفال في المناطق المحتلة و تم خلق بيئة ملائمة لإنشاء جيل متوحش متربي على التكفير والقتل ، هذا البرنامج ينقسم إلى جزئين ، الأول ويشمل البرنامج العقائدي : و يتم” فيه غسيل مخ الطفل بشكل كامل من أجل توجيهه لهدف سامي حسبما يتم تلقينه ، ويساعد في عملية غسل المخ كثيرا حين يكون أحد الأطفال قد قتل أخ له أو أب خلال التركيز المكثف عليه وتحويل الحياة كلها إلى عملية انتقام لا أكثر. و يتم فيه غرس مبادئ السلفية التكفيرية و أفكار الولاء و البراء السلفية و نواقض الإسلام وأركان التوحيد واحكم تكفير المعين وغير المعين و حاكمية الشريعة وتكفير المجتمعات والجيل الأول ، حيث يخضع الطفل لبرنامج متكامل محكم ومكثّف من أجل تحقيق تغيير شبه جذري في نفسية وتفكير الطفل لخلق شخصية جديدة تختلف جذريا عن بيئته الأم و منقطعة عن كل صلة تربطه بالأهل و الوطن والعشيرة يكون فيها خليفة داعش والده و جماعة التنظيم أهله وعشيرته. الثاني برنامج تدريب بدني قاسي يتضمن تدريبات رياضية على فنون القتال و طرق التحمل و المداهمات و المناورات و التدريب العسكري الشاق و حرب العصابات وطرق التفخيخ و التسلل و الذبح و التمثيل بالجثث لقتل أي بادرة رحمة في نفس الطفل و تحويله إلى مسخ متوحش. حسب المعلومات المتوفرة فقد استطاع تنظيم داعش إقامة معسكرات للتدريب في كلا من الرقة و الموصل و القائم ، كما قام بإرسال أعداد أخرى إلى ليبيا نظرا لوجود معسكرات تدريب لا رقابة عليها و خارج نطاق القصف سواء العراقي أو السوري أو قصف التحالف الدولي ، تم تهريب هؤلاء الصبيان عن طريق المطارات التركية وعبر المعابر الحدودية مع تركيا التي تسيطر عليها داعش . معظم الفتيان الذين يتدربون في معسكرات داعش هم من أبناء المناطق المحتلة ، و ينقسمون كالتالي:

1. أطفال العوائل الايزيدية و الشبكية و التركمانية الذين أقسر أهلهم على الإسلام السني بالنسخة الداعشية ، أو من قبل الدخول في الإسلام السلفي بعد قتل أهله.

2. أطفال العوائل التي كان لديها أبناء في الأجهزة الأمنية و الصحوات وعوائل الصوفية و الإخوان المسلمين كنوع من التكفير عن ذنوبهم وضمان استمرار ولائهم و لتحقيق اختراق في داخل تلك العوائل في حال قرروا التعاون مع الحكومة.

3. أطفال المتعاطفين مع التنظيم أو المنتمين له ممن يؤمنون بداعش فكرا ومنهاجا و سلوكا.

4. الأطفال الذين فقدوا أسرهم بسبب الحرب سواء من جهة القصف أو المعارك أو غير ذلك ، وهؤلاء لا مأوى لديهم سوى الانتماء لهذا التنظيم.

تختلف التقديرات في عدد الأطفال الذين تم تجنيدهم بين 40 ألف إلى خمسة آلاف..وهي أرقام كارثية بكل معنى الكلمة ، و تؤكد الحاجة إلى أكثر من العمل العسكري وحده لدفع خطورة هؤلاء على المستقبل

فحتى الذين يمكن أن يتم إنقاذهم يحتاجون إلى فترة نقاهة وعلاج نفسي و إعادة تغيير لطريقة التفكير و المفاهيم لكي يتسنى لهم العيش مرة أخرى وسط المجتمع كبشر و ليس كقتلة عقائديين.

أحدث المقالات