فيلم تشويق و”أكشن دراما” للمخرج كيفن ماكدولاند وتمثيل جود لو، سكوت مكينيري وبن ميندلسون، يستعرض مغامرة البحث بأعماق البحر الأسود عن غواصة قديمة يفترض انها تحوي كميات كبيرة من الذهب…يلجأ قائد غواصة مطرود “جود لو” لتكوين طاقم جديد مكون من بريطانيين وروس (لا يطيقون بعضهم) واستصلاح غواصة قديمة متهالكة، وذلك بغرض البحث عن كنز ذهبي مدفون بغواصة قديمة أغرقها الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، وتستقر بأعماق البحر الأسود تحت “أنظار الروس”، يسيطر الطمع والجشع والخلاف على اعضاء الفريق المتنافرين، كما يساعد اليأس وعدم اليقين بنجاح المهمة، ليتسبب “تدريجيا” بالتحريض والكراهية والشك بالنوايا تجاه بعضهم البعض، كما تهيمن الأنانية وحب الذات والجشع فتقودهم لتصعيد العداء والقتل حتى تتعرض الغواصة السوداء البائسة لكوارث وحرائق واصطدام!
الشريط يفتقد للعمق بدراسة الشخصيات، ولكن الأداء المغناطيسي المؤثر لجود لو، وشحنة العاطفة والتفاعل والحكمة بمعالجة الصراعات “المزمنة” داخل الغواصة، مع استمرار تدفق المياه وطغيان اليأس والخيبة “حول” الشريط لدراما سينمائية استثنائية تحفل بالابداع الحركي والمفاجآءت، حيث يحشر رجال بائسين داخل عواصة قديمة متهالكة ليواجهوا “الظلام الدامس والموت الزاحف”، وبدت هذه الغواصة بكم التوتر الهائل الذي تحتوية وكأنها “بطل الفيلم الحقيقي”…حيث يتاصد داخلها “جنون مطلق” وكأنها مسحورة بتعويذة مستعصية!
يلجأ كيفن ماكدولاند (الحائز على الاوسكار، وهو مخرج فيلم “آخرملوك اسكتلندا”) لكاتب السيناريو “دينيس كيلي” الذي يلجأ بدوره لتاريخ وقصص النازيين المثيرة، كما يستخدم ممثلا كاريزميا ك “جود لو”(حاز على الاوسكارمرتين)، لكي يأخذنا معه لساعتين تقريبا مع مشاهد مبهرة تبدو “طبيعية”، ويدفعنا للفكير متعمقا بثيمة فلسفية ازلية: ماذا يفعل الجشع واليأس والبغض بالبشر عندما يحشرون أحياء داخل غواصة بأعماق البحر؟!
يتحدث الفيلم بمرارة وبضمير الغائب عن “القطط السمان” التي تملأ جيوبها بالدولارات من تعب ومعاناة الرجال “الكادحين” ولا ترحم اوتقدر اوتعوض احدا:
حيث يتم تشبيه كفاح الرجال “الشرفاء” تجاه ” الظلم والاستغلال والقهر”، وكأنهم “براز” يستعصي على اندفاع “مياه السيفون”، وقد وجدت هذا التشبيه سفيها ويحفل باحتقار الذات، كما يفلسف احدهم مهارةالعمل الاحترافي داخل الغواصات: قارن ذلك بطائر اللقلق، الذي يبدو مضحكا وغير متوازن على البر، ثم تظهر براعته بالجو وأثناء قنصه للسمك داخل المياه!
تنوعت شخصيات فيلم “البحر الأسود” مابين القائد الشجاع الحكيم، والقاتل الغادر، والشاب المراهق الساذج، والحرفي الماهر، والمطيع المستكين، والساخر المتعالي والنذل الجبان المحرض…وقد نجح هذا الفيلم الشيق بحبس أنفاسنا مرارا وبلا فذلكات ومؤثرات مبهرة وبطولات زائفة، وقد استندت القصة لغواصة قديمة تحوي كميات كبيرة من الذهب، وكانت مرسلة من ستالين لألمانيا النازية ببدايات الحرب الثانية، وقد أغرقها الحلفاء، وقد تم ترميج الربان الماهر”غود لو” بقصد وعن خبث وبدون تعويضات ملائمة، لكي تستغل الشركة الماكرة مهاراته للبحث عن الذهب القابع بأعماق البحر، حيث يقوم مع ثلاثة رفاق بتشكيل فريق على عجل، مكون من الانجليز والروس، واعدا اياهم بنصيب متساوي (حتى له)، رافضا اغراءآت “النسبةالمئوية”، ثم ينطلقون بعد استصلاح غواصة قديمة، فيما تواجه الرحلة “البائسة” صعوبات جمة تتمثل بحالات القتل والاجرام والعراك والانقسام، مرورا بتعطل الاجهزة والاصطدام ثم الغرق التدريجي، حيث لم ينجو بآخر الشريط سوى ثلاثة: القبطان والشاب المراهق وبحار روسي مسالم يتقن الانجليزية، ويقوم “جود لو” بتوزيع سترات النجاة الثلاث المتبقية عليهم، فيما يفضل هو أن يواجه مصيره بالغرق، مستغلا سترة النجاة الثالثة لكي يملأها بقطع الذهب لتوزع بالتساوي فيما بينهم الثلاثة، مرفقا صورة لزوجته وابنه اليافع (وهي التي تركته وهربت مع ثري)، وكأنه يقصد ان يوزع نصيبه لها ولابنه الصبي، مضحيا بنفسه وبدا وكأنه قد فقد رغبته بالحياة بعد هذه التجربة المريرة المرعبة، وضاربا مثالا نادرا لنمط القيادة الاسطوري والشجاعة النادرة المحاطة بحس أخلاقي وانساني فريد، واضعا نصب عينيه تحقيق أهداف الفريق وليس أهدافه الشخصية، وان كان قد تورط باختيار أشخاص خطرين وغير ملائمين، وهذا ما يؤكده شعارالفيلم الأساسي: “ان خطر الفريق قد يتخطى خطر المهمة”! …ونادرا ما تعرضت السينما لمعالجة هذه “الثيمة” الهامة، التي تؤدي لفشل الانجاز بالكثير من الحالات… الشيء الوحيد الذي وجدته غيرمنطقي يتمثل بمشهد “سترة النجاة” الثالثة وهي تطفو “بآخر لقطة” بالرغم من امتلائها بقطع الذهب الثقيلة!
التقييم: ***