إن تأثرنا بالنظام الاجتماعي الذي نعيش بداخله ينعكس على طريقة استخدامنا لوسائل الإعلام في الجمهور فكلما تعقدت البنية الاجتماعية قل التفاعل بين أفراد المجتمع مما يتيح للإعلام مجالا واسعا لملء الفراغ فيصبح الفرد أكثر اهتماما بوسائل الإعلام لاستقاء المعلومات. فكلما كان الإعلام قادرا على الاستجابة لاحتياجات النظام الاجتماعي أو الجمهور ازدادت الحاجة لوسائل الإعلام. لذلك يمكن أن نقول بأن الإنسان هو ابن وسائل إعلامه فوسائل الإعلام ولا سيما في شكلها السمعي البصري باتت تشكل اليوم بيئة الإنسان الفعلية وعلى الرغم من أنها بيئة مصنوعة إلا أنها تعتبر أشد تأثيرا في شعور الإنسان من بيئة الطبيعة. كما أصبحت هي الأقدر على تشكيل عقلية وشخصية الإنسان الحالي وبذلك باتت هي الأداة الرئيسية لتشكيل وعيه مقارنة بالوسائل الأخرى سواء المسموعة أو المقروءة
نتناول اليوم اقوى اسلحة تنظيم داعش الارهابي الا وهو سلاح الاعلام فقد نجح هذا التنظيم في ان يستخدم سلاح الاعلام بصورة كبيرة في تحقيق اهدافه ونجح استغلال وسائل الاعلام في تحويل (داعش) من مجرّد فرع من فروع القاعدة يعمل في الكواليس الخلفية إلى اسم يثير الرعب في نفوس كبار السياسيين والقادة العسكريين ناهيك عن المواطنين الاعتياديين وتغرق مواقع التواصل الاجتماعي بالأفلام والصور والتسجيلات الصوتية التي تحتوي عمليات الذبح وقطع الرؤوس ويشكل تهديدا عالميا وصل مداه الى ان تتم مناقشته في اجتماعات مجلس الامن الدولي .
لقد امتلكت داعش قوة إعلامية موازية للقوة العسكرية تروج لافكار التنظيم وتثير في الشباب حلم اعادة بناء الخلافة الاسلامية وفقا لمعتقداتها وتتوجه إلى الشباب العربي والغربي لحثهم على الانضمام إليه،. إذ يبث الذعر في نفوس الناس من جهة، ويستميل عقول آخرين لمبايعته وتأييده من جهة أخرى. مستغلا ضعف وانعدام كفاة الاعلام المحلي الحكومي والحزبي والتي تركت بصمة كبيرة في نجاح الاستراتيجية الإعلامية لدى التنظيم .
تتركز قوة هذا التنظيم الاساسية على نجاحه في في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي توفرها التقنية الحديثة فقد ادرك القائمون على التنظيم ان عصر استخدام الإذاعات والتلفزيونات المحلية لإثارة الرعب في نفوس الخصوم اصبحت من الوسائل القديمة والتي وان تكن مازالت واسعة الانتشار الا ان تاثيرها وخصوصا في عقول الشباب تراجع الى المركز الثاني مقارنة بوسائل الإعلام الحديثة والتي تسهّل ايصال افكار التنظيم إلى الجمهور المستهدف وخصوصا الشباب من دون رقابة. وقد نجح التنظيم بذلك الى درجة ان أياً من المجموعات المتطرفة لم تستطع أن تصل إلى التأثير الإلكتروني وتوفير عملية إعلامية متطورة مثل ما فعل تنظيم داعش، الذي يركز كثيراً على تطبيقات العالم الافتراضي من خلال بث رسائله وأشرطته وصور مقاتليه وعملياته. وقد نجح التنظيم في استغلال وسائل التواصل الاجتماعي فايسبوك، تويتر، واتس آب لخدمة اهدافه ونشر ما يصدر عنه من أفلام هدفها الحرب النفسية التي تلعب دورها في التسويق لانتصارات داعش وافكارها واظهارها بمظهر القوة التي لا تهزم، تسفك الدماء وتلعب كرة قدم بالرؤوس البشرية المقطوعة.
ادرك القائمون على تشكيل تنظيم داعش الحاجة ماسة لجناح اعلامي يقوم بالدفاع عن دولتهم واهمية تشكيل لجنة اعلامية تعمل ليل نهار واتفقت الرؤية ان اهم مكان يتم من خلاله الترويج للدولة المزعومه هو شيوخ وشباب دول الخليج النفطية وخصوصا المملكة العربية السعودية وان اللجنة الاعلامية لابد تنطلق من هناك لذلك تم وبناء على مقترح من ابو بكر عمر القحطاني السعودي الجنسية تشكيل لجنتين: الاولى من داخل سوريا والثانية من داخل السعودية وسمى هذه اللجان لجان (انصار المجاهدين الجناح الاعلامي) وضع على كل لجنة رئيس وتحت كل لجنة اعضاء يعملون ليل نهار.
كان اول مهام اللجنتين هو التركيز على كيفية تحريك الجماهير بالتركيز على رفع الشعارات التي تلهب مشاعر الجماهير وهي شعارات الجهاد ضد الكفار ومحاربة اعداء الدين والدفاع عن صحيح السنة ومكافحة العدو الجديد للاسلام المتمثل (بالروافض ) والغزو (الصفوي ) بالاضافة الى شعارات الجهاد ضد أميركا وترويج شعار إن أميركا و ( الصفويين ) هي سبب مصائب المسلمين. لذلك عملت اللجنتين من اجل التاثير على الجماهير من خلال مسارين: الاول: الاستعانة بشيوخ الدين الذين يحركهم البترودولار في الخليج لاستصدار الفتاوى الجاهزة والمفصلة حسب الطلب لتوجيه الانظار الى الخطر ا(الرافضي الصفوي الايراني ) وانه اشد خطرا واولى بالجهاد من اسرائيل واليهود وكلنا يتذكر الفتاوى الشهير بان الله لم يامرنا بقتال اليهود بل امرنا بالاحسان لهم ولكن امرنا بقتال الخارجين على الدين والمقصود هنا كل من يخالف عقيدتهم المنحرفه اما المسار الثاني فهو تكوين فريق نصرة اعلامي للانترنت.
في المسار الاول تم اختيار بندرالشعلان ليكون ممثلا تنظيميا وحلقة وصل لتكوين نواة شرعية في الخليج مؤيدة للتنظيم واخذ على عاتقة عقد اجتماعات للمؤيدين للبغدادي وقد اثمرت جهوده عن اصدار مذكرة شرعية تاييديه لمبايعة البغدادي بعنوان مد الأيادي لبيعة البغدادي تحت اسم ابو همام بكر بن عبد العزيز الأثري وابدى علي الجبالي اصدار فتوى مماثلة كما تم تشكيل لجنة شرعية داخل سوريا تقوم بالعمل على ترسيخ دولةالبغدادي شرعيا بسوريا تتكون من عمرالقحطاني وابوعلي الانباري وابوجعفرالحطاب تونسي وابوعلي ابراهيم السلطان النجدي وخامسهم عثمان بن نازح حيث تقوم هذه اللجنة بترهيب من ترك بيعة البغدادي وان من يقوم بتركها فهو خارجي يجب قتاله٬ والقيام بتوزيع كتاب عضو اللجنةالداخليةالشرعية للدولة وهو (بيعةالأمصار للامام المختار/ أحكام البيعةفي الإسلام وتنزيلهاعلى بيعة أهل الشام) وهذا من تاليف ابوالحطاب التونسي حيث تم توزيع هذا الكتاب على الاتباع والمتعاطفين مع التنظيم .
اما في المسار الثاني فقد تم تشكيل لجنة مناصرة اعلامية في دول الخليج وتولى رئاستها أبودجانة فتم استقطاب شباب حماسي كبير من وسط الشبكة العنكبوتية تتم ادارتهم بواسطة مجموعات مغلقة خاصة وتم جذب متعاطفين كثير كانوا خاملين فتم تنشيطهم وتم تشكيل لجنة اعلامية لمناصرة التنظيم من داخل سوريا بقيادة السعودي عبدالمجيد الثبيتي العتيبي وتكوين مجلس مصغر شوري لهذه اللجنة من اعضاء متعلمين لتجنب اي طرح سطحي اختير لعضوية شورى اللجنة الاعلامية المناصرة الداخلية اعضاء منهم أبوالليث الضيغمي ومعاذ بن محمد الشمراني وعضوية عبدالرحمن المرزوقي بدا وضع مجموعة مغلقة تربط اللجنتين الاعلاميتين ببعضهم لسرعة انتشار الاخبار وسرعة مهاجمة الخصوم وتم اصدرفتوى خاصة للمجموعتين بجواز الكذب للمصلحة.
عملت تلك اللجان على وضع خطة الاعلامية تقوم على مشروعين الاول: حملة اسقاط وتشويه لكل من يخالف او يعترض على خلافة التنظيم متخذين في ذلك مسار ديني بحيث يتم من خلاله التلاعب بالايات القرأنية واستغلال فتاوى الفكر التكفيري للرد على كل معارض ومسار إعلامي يقوم على تشويه أي معارض بأنه عميل مخابرات أجير مع محاولات إيجاد مبررات ومسوغات لهذه الاتهامات حتى تكون محل تصديق من المتابعين٬ وفي نفس الوقت تجعل المعارضين محل خوف من هذه الهجمات استندت تلك اللجان في جواز ترهيب المعارضين على الفتوى التي تقول نصر الرسول بالرعب مسيرة شهر وآلاخرى التي تستند الى الحديث النبوي (الحرب خدعة) فأجازت لهم المكر بالخصوم والمعارضين وإرهابهم وتخويفهم من أن تطالهم سيل الشائعات فيسكتون عن مهاجمة دولة البغدادي كان هناك اذن مفتوح وفتوى واسعة في مهاجمة اي شخص يقف في وجه التنظيم وقد تم الاستعانة بشخص أميركي ـ سوري فرنسي المولد يدعى محمد أبو سمرا للإستفادة من خبرته وحرفيته في مجال الكمبيوتر ووسائل التواصل الاجتماعي، لاستقطاب الشباب العربي والغربي وإقناعهم بالانخراط في هذا التنظيم.
المشروع الثاني يقوم على تسجيل وتوثيق مكالمات او مجالس لرموز ما زالوا يوالون التنظيم لتتم ادانتهم بذلك اذا فكروا بالانقلاب ضده كان هذا المشروع مشروع التجسس بالغ الحساسية لانه يحتاج تجنيد شخصيات مهمة شديدة السرية تقوم بالتجسس وارسال الصوتيات لقيادة التنظيم .
العامل الثاني الذي تم استغلاله في تحقيق اهداف التنظيم الاعلامية هو ضعف الاداء الاعلامي للاجهزة الحكومية وخصوصا الاجهزة الاعلامية الموجهة لمخاطبة المواطنين. فمازالت تلك الاجهزة تعتمد اساليب عفى عليها الزمن تعود بتقنياتها واساليبها الى فترة الحرب العالمية الثانية بسبب عدم انفتاح القائمين عليها على التطورات العلمية الحديثة بالرغم من ان بعض من يقودوها يسبق اسمائهم حرف الدال اللعين ولكن شهاداتهم لم تتح لهم امكانية استيعاب ان العالم قد تغير وتطور. وان اسلوب اخفاء المعلومات وتزييفها لغرض الحفاظ على الجبهة الداخلية واساليب التوجيه السياسي التي كان يعتمدها الاعلام الحربي في فترة الحرب العراقية الايرانية لم تعد ذات تاثير في المتلقي بل ان تلك الوسائل في عصر المعلوماتية وسرعة انتشار المعلومة اصبحت ذات تاثير سلبي دفعت الناس الى فقدان الثقه بالأنظمة السياسية الحالية واصبحت تحتاج إلى بديل. و«داعش» تقدم نفسها بديلاً أرسله الله لإنقاذ الناس من الكافرين.فتنجذب الناس إليها تحت وطأة يأسها من الأنظمة من جهة وذعرها من سكاكين «داعش» من جهة أخرى. وتظل مواقع التواصل تتداول الصور والمشاهد وتدعمها «الإعادات» في محطات الفضائيات، في لغة إعلامية تجعل داعش هي السبيل الوحيد للتغيير وعكسها الموت من اجل حكومات فاسدة وان كان الإعلامين الغربي والعربي نجحا في قد نجحا في شيء فهو الترويج لداعش وبث الرعب بين الناس منها , واستغلا شبكات التواصل لتحطيم الإمكانات الاجتماعية لمكافحة هذا الإرهاب السرطاني لهدفين اثنين تدمير المشروع الاسلامي وإعادة المنطقة إلى القرون الوسطى بأموال البترودولار العربي.