حقق الكورد في الايام القليلة الماضية ، نجاحان مهمان ، بل يعتبرهما البعض مفصليان قد يغيران من المعادلات السياسية او يؤسسان الى انطلاقة جديدة ، واثار هذا التطور حفيظة مختلف القوى بين مشيد ومحذر من ذلك تبعاً للموقف من قضية الشعب الكوردي .
كان الانتصار الاول جاء من خلال الانتخابات التركية ، والثاني حملته الانباء من شمال سوريا من منطقة تل ابيض ، حيث تمكنت القوات الكوردية مع قوى اخرى من ازاحة سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) عنها .
كلا الانتصارين اعتبرتهما الحكومة التركية مؤشران يثيران القلق وامراً ليس جيداً ، وذلك نابع من ضيق آفق سياسي وعداء للشعب الكوردي والقوميات الاخرى .
لاول مرة منذ الخمسينيات في القرن الماضي يغير حزب الشعوب الديمقراطي ( HDP ) الخارطة النيابية في تركيا ، ولم تفلح سياسة فرق تسد التي اتبعها اردوغان من ثني عزم الكورد والامن وغيرهما على الاتحاد والتعاون فيما بينهما في خوض الانتخابات وتخطي العتبة الانتخابية والوصول الى البرلمان ، رغم المضايقات والقمع الذي مورس بحق هذا الحزب وجماهيره .
ان الانتخابات تعد انتصاراً للقوى التقدمية التركية وتدفع نحو تمتين وحدتها ، وتبرر اعتمادها خوض الكفاح السياسي لتغيير بنية النظام التركي والحصول على الحقوق القومية المهضومة ، كما ان لهذه النتيجة الطيبة تأثيراً على بقية انحاء كوردستان في البلدان المجاورة ، وتشد من عزم القوى المكافحة وتدعم نضالها السلمي والديمقراطي من اجل الحقوق القومية .
لقد استطاع حزب الشعوب الديمقراطي من كسب شرائح مختلفة من قوميات واديان رأت في برنامجه املأ لتغيير ما هي فيه واستجابة لتطلعاتها في رفاهية احوالها وتلبية مصالحها في بناء دولة ديمقراطية ، ومساواة وتحقيق عدالة اجتماعية وخلاص من هيمنة حزب العدالة .
لقد احسن حزب الشعوب في بناء استراتيجية وتكتيك ملموس وفعال ، فتمكن من جذب الناخبين اليه من ( الكورد والارمن والايزيديين والاشوريين وغيرهم ) ، وبما في ذلك صوت جزء من الاسلاميين الناقمين على الاوضاع السائدة اليهم . وتكلل ذلك بالحصول على 79 مقعداً ما شكل اكبر تحد الى اردوغان وانهيار احلامه .
ومما افرزته الانتخابات ان الحزب اضاف نسبة مهمة من النساء الى البرلمان الجديد في اطار سياسته للمساواة بين الجنسين .
لقد اصاب هذا النجاح بتعطيل سياسات الحزب الحاكم واهدافه الذي لم يعد يملك الاغلبية الكافية لتمريرها .
المهم ان حزب الشعوب الديمقراطي اكسب الكورد تأييداً بين مكونات تركيا ، وبين الفئات الاجتماعية التي تتكون منها ، انه انتصار كبير للذين يطالبون بالسلم في كوردستان وحل القضية الكوردية على اساس حق تقرير المصير ، وضربة للنظام الرئاسي الذي اراد اردوغان تأسيسه في حال حصوله على الاغلبية .
اما التقدم الذي حققته القوات التركية والمعارضة السورية قرب الحدود التركية هو الاخر ضربة لأحلام المسؤولين الاتراك الذين يتدخلون سلباً وفي دعم تنظيم ( داعش ) المتطرف وهو النجاح الابرز بعد معارك ( كوباني ) لأنه وحد الرقعة الجغرافية للمنطقة الكوردية في سوريا وجعلها على اتصال دون عوائق مع بقية الاجزاء .
لقد اثار هذا الانتصار لـ ( لوحدات حماية الشعب الكوردية ) حفيظة الحكومة التركية ، فأتهم نائب الوزراء التركي بولنت ارتيتي الكورد بأنهم يتبعون سياسة التطهير العرقي ، في حين لم يتحدثوا ضد ارتكابات ( داعش ) الشنيعة ولا قدموا مساعدات للسكان للخلاص من سيطرتها ، فيما دعت القوات الكوردية السكان الذين هجروا جراء الحرب الى العودة الى ديارهم ، وفعلا ما ان هدأ ازيز الرصاص عاد قسم منهم .
واقع الحال ان تركيا تشعر بالخوف من هذه الانتصارات وتأثيرها على الكورد فيها ، لاسيما انها تتزامن مع الانتصار الذي احرزه حزب الشعوب الديمقراطي التركي ، ولاسيما ان هناك احتمالاً بفشل تشكيل حكومة جديدة واجراء انتخابات مبكرة قد تعزز من مواقع الاحزاب المعارضة لحكم اردوغان .
اذا ما حافظ الكورد على انتصارهم هذا سيكونون معادلة صعبة ورقماً ذا شأن في اي بحث جدي للحل في سوريا ، ولن يكون وضعهم مثلما كانوا عليه من قبل . كما ان هذا الانتصار سيعطي زخماً لاستكمال مقومات الاقليم في سوريا ذي شأن في التطورات اللاحقة على صعيد القضية الكوردية