لم يكن من السهل الكتابة عن انسان مثل احمد قوجا، ليس كونه شقيقي ويمثل الكثير بالنسبة لي فحسب، بل كونه الرجل الذي حمل ضميرا حيا في الوقت الذي ماتت فيه الضمائر، رجل وقف كالجبل الشامخ امام الطامعين في حقوق شعبه، مدافعا عن وحدة الوطن، في زمن اصبحت فيه الوطنية ورقة يتاجر به كل من هب ودب.
أنه رجل عرف معنى الانسانية وتعامل مع الكل بشهامة، انسان نموذجي قدم حياته وحياة ابنه في عمر الزهور قربانا لشعبه وحقوقه المغتصبة، بطل حمل صفات الحب والتسامح ونكران الذات، صفات باتت نادرة في وطن زرعت فيه الكراهية وتفشت فيه الانانية بشكل لم يسبق له مثيل.
عرفته محبا لوطنه، شجاعا في قراراته، قريبا لشعبه الذي ضحى من اجله وهو جزء منهم ومن اجل تراب وطنه، امتزج دمه الطاهرمع دماء ابناء مدينته مدينة الشهداء الطاهرة طوزخورماتو وهو يشاركهم في التصدي للارهاب الذي طال مدينته التي احبها وترعرع فيها وناضل بكل ما اوتي من قوة من اجلها، استشهد ومازالت الجروح التي اصيب بها بهجوم انتحاري قبل استشهاده لم تلتئم بعد.
على الرغم من مرور مايقارب السنتين على استشهاده ورغم موقعه كمسؤول مميز في الجبهة التركمانية العراقية ومسؤول في الدولة العراقية كمعاون محافظ صلاح الدين ولكن للاسف لم يلقى التعريف اللائق بمستوى تضحياته سواء في الاعلامي التركماني او العراقي عدا القناة العراقية التركمانية الفتية التي عرضت مؤخرا برنامجا خاصا سلط فيه الضوء على سيرة حياة الشهيد ، هذا ليس عتبا بقدر ما هو تشخيص لحالة يعاني منها الاعلام التركماني خاصة. لأنه عندما يكون التعامل بهذا التسويف والتبسيط مع من يضحون بارواحهم في سبيل الحقوق القومية والوطنية بعد سنين من العمل والنضال المستمر بلا انقطاع، كيف نستطيع ان نهيء اجيالا لا تهاب التضحية من اجل القضية القومية!
الشهيد احمد عبدالواحد عباس علي قوجا ابن عشيرة البيات من عائلة قوجا في طوزخورماتو احد ابناء بيرآوجلي، حمل الشجاعة كصفة متوارثة من اجداده، فجده الاكبر هو علي قوجا الذي اتصف بالقوة والشجاعة جعلته ان يضحي بنفسه من اجل ان يعيش الاخرين، فقد اناب نفسه للخدمة الالزامية في الجيش العثماني كبديل عن احد ابناء عمومته ممن كان وحيدا لعائلته، ليقع في الاسر في حرب البلقان الاولى واودع باحدى المعكسرات في اليونان، وبعد انقطاع الامل في عودته توقع الجميع استشهاده، استطاع كسر قيد اسره والخلاص بنفسه من حراس اليونان والهرب من معسكر الجيش اليوناني والعودة الى مدينته طوزخورماتو. الحالة نفسها تتكرر مع جده المرحوم عباس قوجا الذي عرف بشجاعته الغير الطبيعية في صفوف الجيش العثماني انذاك، والثقة الكبيرة والمحبة والتقدير الذي حظي به من قبل قادته في الجيش انذاك، وكل ذلك كان تقديرا له لامانته وشجاعته. حكى المروح (اماو مجيد) من ابناء مدينته موقفا له ايام العهد العثماني حيث كانا يخدمان سويا كجنود في الجيش العثماني، اذ بعد محاصرته ضمن مجموعة
من الجنود في مدينة الكوت من قبل العدو وصل الخبر الى المرحوم عباس قوجا الذي سارع مجازفا ومضحيا بحياته لانقاذ رفيقه في السلاح (اماو مجيد) مخترقا تحصنات العدو على صهوة جواده دون خوف ليصل اليه ويتمكن من انقاذه من الاسر سالما، فاحمد قوجا هو ابن اولئك الابطال.
احمد قوجا لم يكن سياسيا ولا قياديا في صفوف الجبهة التركمانية بالصدفة، بل وصل الى ما وصل اليه لمبدئيته وايمانه بالقضية التي اراد من خلال مسؤوليته العمل بجد دون ملل لرفع شانها، لا بالمزايدات والشعارات ولكن بالايمان والعمل دفاعا عن حقوق شعبه الذي امن بقضيتهم العادلة فعمل جاهدا خاصة بعد توليه منصب معاون محافظ صلاح الدين في سبيل الحصول على استحقاقهم في عراق ما بعد صدام الذي صادر حقوق التركمان القومية والثقافية فضلا عن الاراضي. .
ولد الشهيد احمد عبدالواحد عباس قوجا في شهر اذار سنة 1962 في مدينة طوزخورماتو في محلة ملاصفر، من عائلة مهتمة بالثقافة، والده المرحوم كان يمتلك في بيته مكتبة غنية بالكتب بمختلف الاختصاصات التي اثرت على حياة الشهيد الثقافية فضلا عن تشجيع والده المرحوم الذي كان يهوى قراءة الكتب والاطلاع بثقافات العالم. اكمل دراسته الابتدائية في مدرسة التقدم داخلا فيها وهو يحمل جرأة الخطابة، في كل محطة من مسيرة حياته كان له حضور يتناسب مع الحدث وموقعه منه، ففي الابتدائية وهو في مقتبل العمر عرف واشتهر لدى طلبة المدرسة جميعا وهو في الصف الثاني الابتدائي من خلال احدى الاناشيد التركمانية التي كان يقرأها صباح كل يوم خميس خلال مراسيم تحية العلم ( من بير كوجوك عسكره م .. وطنيمدا كيزه رم… وطنيما كيره ني.. طوب توفه نكده ن ئه زه ره م..)ويعني (انا الجندي الصغير.. اجوب في وطني الكبير..من اراد احتلال وطني..ساساحقه بالبندقية والمدفع..
درس المتوسطة والاعدادية في ثانوية طوز للبنين، وفيها زاد اهتمامه بالشعر والادب وبدا كتابة الشعر التركماني والخوريات، اذ كتب الكثير من الاشعار التركمانية والخوريات، وشارك في الكثير من المناسبات الثقافية والدينية التي كانت تقام على مستوى المدرسة او القضاء ، وفي مهرجان الخطابة الذي اقيم في ثانوية طوز للبنين شارك بنثر عن الجهل والثقافة وحاز اعجاب استاذ اللغة العربية انذاك عدنان الطرفي الذي اثنى بقابليته الادبية من خلال اختيار الجمل والنص الادبي بشكل عام.
بعد تخرجه من الاعدادية درس في كلية الادارة والاقتصاد بجامعة الموصل ، وكان تواجده في الجامعة قد فتح له الافق والمساحة الواسعة للعمل الثقافي من خلال المهرجانات التي كانت تقام في الجامعة فضلا عن نادي الاخاء التركماني، وكان تواجده واضحا في كل مناسبة وتجمع ونشاطات طلابية في الموصل من خلال ادارة وعضوية الكثير من الانشطة التي كانت تقام في مناسبات مختلفة.
بعد تخرجه من الجامعة سنة 1986 التحق بالجيش لاداء الخدمة العسكرية الالزامية، مع بداية حرب الخليج الثانية سيق مع الجيش الى الكويت بعد دخول القوات العراقية اليها، بقي هناك حتى شباط 1991 مع بدأ حرب عاصفة الصحراء وقع في اسر القوات الامريكية مع مجموعة
من رفاقه بعد تطويق السرية التي كانوا ينتمون اليها بعد استسلام القوات العسكرية المرابطة خلفهم، كما يقول احد الجنود بان الشهيد وقف بوجه آمره بعدما اراد التخلص من رتبه العسكرية اثناء تقدم القوات الامريكية تجاههم مخاطبا اياه بصوت عال قائلا ( من المعيب ان تخاف وهذا الخوف يجعلك تتخلص من الرتبة التي تحملها على اكتافك فبتصرفك هذا تجعل من الجنود الذين تقودهم ينهارون نفسيا ومعنويا وهم يرون قائدهم بهذا الحال منهار) مالبث ان تخلى القائد من نزع الرتبة، وتم ترحيلهم الى معسكر رفح للاسرى العراقيين في السعودية، مكث هناك عدة اشهر حتى اعلان الاتفاق بين الطرفين العراقي والكويتي، عرضت عليه منظمة اللاجئين التابعة للامم المتحدة امكانية طلب اللجوء لاحدى الدول الاوروبية او امريكا والسفر والاقامة هناك كاحد الحقوق التي يستطيع ان يتمتع بها، ولكنه رفض فكرة السفر والاقامة في الدول الغربية على الرغم من تكرار العرض لأكثر من مره، اخرها وكما اخبر الشهيد المرحوم احمد قوجا بنفسه: (عندما وصلت الى السياج الاخير وبعبوره يعني العودة الى العراق وقبل ان اترك الاراضي الكويتية سألني مسؤول شؤون اللاجئين هل انت مصر على العودة الى بلدك المتأزم امنيا وسياسيا؟ فقلت له نعم وهذا رأيي الاول والأخير). حبه لوطنه جعله يرفض الهجرة وفضل العودة الى احضان وطنه الام.
بعد انتهاء الانتفاضة الشعبانية واستقرار الوضع الامني نسبيا بعد الاتفاق الذي ابرم بين الجانبين العراقي والكويتي عاد من الاسر سالما الى وطنه الذي لم يقبل بديلا عنه مفضلا العيش في بلده بين اشقائه وعائلته وأهله وأصدقائه فوق التراب العراقية.
نهاية سنة 1991 ومع افتتاح جامعة تكريت تم تعيينه في رئاسة الجامعة، عمل كباحث في جامعة تكريت حتى سنة 1997 قبل ان يغادر العراق متوجها الى ليبيا للعمل في احد المعاهد كتدريسي في منطقة براك الشاطئ في الجنوب، استطاع بناء علاقات واسعة مع المثقفين الليبيين الذين احبهم وأحبوه كثيرا، ورغم مرور سنوات على مغادرته ليبيا بعد سقوط الصنم عام 2003 كان اخوانه من الليبيين مازالوا متواصلين معه.
بعد عودته الى ارض الوطن باشر العمل الحزبي فور وصوله مباشرة متيقنا بان الوطن بحاجة اليه والى خدامته مؤمنا بان بالدفاع عنه وبنائه واجب مقدس، رشح لإستلام منصب نائب رئيس الجبهة التركمانية في صلاح الدين، حيث لعب دورا بارزا في تقديم ما لديه من خدمات بواسطة الجبهة التركمانيه الى المواطن ومدينة طوزخورماتو، ونظرا لعلاقته الشخصية فضلا عن عائلته وعشيرته المعروفة في طوزخورماتو اعطى وجوده دفعا قويا للجبهة التركمانية في طوزخورماتو التي التف مواطنوا المدينة حول الجبهة، وكان له الدور المشهود في ابراز دور الجبهة تركمانيا في الساحة السياسية انذاك، خاصة بعدما اقنع بعض الوجوه المعروفة للانضمام الى الجبهة وتسنم مناصب قيادية فيها. لقد كان احمد قوجا دائم التواجد بالقرب من ابناء شعبه مشاركا اياهم افراحهم واحزانهم وتلك كانت من الصفات الكريمة التي كان يتحلى بها، ولم يتخلى عن أي واجب كان بمقدوره القيام به تجاه شعبه ووطنه.
عين معاونا لمحافظ صلاح الدين للشؤون الادارية سنة 2010، كان تواجده في المحافظة فرصة كبيرة لخدمة مدينته خاصة والمحافظة بشكل عام، اذ اصبح يعد من المسؤولين المرموقين في محافظة صلاح الدين بشهادة الموظفين وابناء المحافظة الذين اشادوا باخلاصه وامانته واحترام
وظيفته، فقد عرفوه نزيها، عادلا ومتواضعا. لقد قدم الكثير من الخدمات الى اهالي منطقته ويعود له الفضل في اعادة تمليك الاراضي الزراعية التي صادرها النظام البائد لاصحابها من اهالي قضاء طوزخورماتو بعد محاولات عصيبه قام بها لاقناع الجهات ذات العلاقة، رد الشهيد على احدهم عندما قال له ( ماتقوم به مجازفة قد يجرك الى مشاكل) رد قائلا ( لوكان ذلك ادى الى اعدامي لن اتراجع في المضي قدما في استرجاع تلك الاراضي)، اذ نجح في كسب 98 قضية من اصل 110، بقرارمن محكمة النزاعات الملكية، لم يستطع فعل شئ فقط للقضايا التي سبق وان حسمت بالحكم القطعي، قال عنه مدير املاك صلاح الدين المرحوم نعمان ثابت ( على اهالي طوزخورماتو ان يصنعوا له تمثالا لما ما قام به من اجلهم).
لعل المقاطع التي بثتها بعض القنوات الفضائية شاهدة عن بطولته والاستعداد للتضحية من اجل الوطن والمبادئ والعقيدة التي امن بها، اذ في اذار 2011 قام البعض من الاكراد بالتجاوز على اراضي المواطنين التركمان في مركز قضاء طوزخورماتو ووضعوا عليها مواد البناء بعد تقطيعها وتوزيعها فيما بينهم من دون حق مع كتابة اسم الشخص الذي سيمتلك القطعة من القومية الكرديه، وهي اراض تابعة منذ الازل لعشيرة جوما التركمانية، وبعد ان عجز اصحابها عن الوقوف امام عنجهية وهمجية المجموعة المستقوية بجهات حزبية مسلحة تم الاتصال بالشهيد احمد قوجا المتواجد في تكريت بحكم وظيفته وتم اعلامه بالامر، بعد ان ياس الناس من المؤسسات الامنية والادارية وكل المسؤولين في طوز خورماتو التي يسيطر الاكراد على مفاصل ادارتها امنيا واداريا، علم الشهيد بالامر وهو خارج مبنى المحافظة في زيارة رسمية الى ناحية العلم القريبة من تكريت، حيث ترك كل التزاماته متصلا في الوقت نفسه بمحافظ صلاح الدين طالبا منه تخويله بصلاحية التعامل مع الحدث، فوافق محافظ صلاح الدين الاستاذ احمد عبدالله الجبوري انذاك، فتوجه المرحوم من العلم الى طوزخورماتو دون المرور على بيته في تكريت او اعلام عائلته بانه ذاهب الى طوزخورماتو، وهو في الطريق طلب قوة عسكرية من الفرقة الرابعة لترافقه الى القضاء ووصل خلال ساعة الى طوزخورماتو ومر بمقر الجبهة التركمانية ليطلع على حيثيات الحدث والتقى فيها بالشهيد علي هاشم مختار اوغلو رئيس فرع الجبهة التركمانية في صلاح الدين وعضو مجلس محافظة صلاح الدين، وتبادلا الحديث لبضع دقائق فأوعز لاربعة من حمايته لمرافقة الشهيد احمد قوجا الذي توجه الى موقع الحدث قبل ان تصل القوة العسكرية، واذا بالمواطنين اصحاب الارض واقفين بعيدا والخوف مرسوم على وجوههم خوفا من بطش الاكراد، بعد الحديث مع امر القوة العسكرية طلب بجلب اليات البلدية وتم رفع مواد البناء وازالة كل الاثار التي لها علاقة بالبناء، وقف شامخا دون خوف او تردد وهو المسؤول والقيادي الوحيد واضعا في الحسبان كل الاحتمالات من استهدافه وحدوث أي مكروه وباية لحظة، لكن التراب التركمانية ومطالب الشعب والمواطنين كانت اغلى من كل شئ وتستوجب التضحية من اجلها مثلما كان يردد دائما.
لقدرته على الخطابة والحوار كان محافظ صلاح الدين يرشحه لتمثيله في المناسبات التي كانت تقام في المحافظة لثقته به وبما يمتلكه من مؤهلات فضلا عن احترام المحافظ السيد احمد عبدالله الجبوري له لنزاهته فقد رشحه بعد اصابة قائمقام قضاء الدور نتيجة محاولة اغتيال ليكون قائممقام القضاء وكالة وادار القائممقامية بكفاءة طيلة فترة تكليفه.
اثناء حضوره في احدى مراسيم العزاء في طوزخورماتو لاحد الشهداء من ضحايا الارهاب في شهر كانون الثاني سنة 2013 اصيب اصابات بالغة بعد ان فجر ارهاربي حزاما ناسفا كان يلبسه داخل حسينية سيد الشهداء، نقل على اثره الى المستشفى في كركوك ثم الى تركيا لتلقي العلاج، وقد ادى ذلك الحادث الاجرامي الى استشهاد 23 مواطنا من ضمنهم ابن عمه الشهيد محمد علي مهدي قصاب قوجا، سبق ذلك استهدافه بعبوة ناسفة في تشرين اول سنة 2012 اثناء حضوره مهرجان في نادي طوز الرياضي حيث انفجرت العبوة بالقرب منه ونجا منها باعجوبة.
من المواقف المشرفه التي اسطرها هنا للتاريخ والتي تشهد لوفاءه لشعبه، اذ بعد تفجير حسينية سيد الشهداء في طوزخورماتو قدمت الحكومة التركية يد العون للمصابين من خلال تقديم العلاج لهم في المستشفيات التركية، وقد كان الشهيد قوجا ومعه الشهيد علي هاشم ضمن الوجبة الاولى المغادرة للعلاج، قبل يوم من السفر اتصل به عائلة احد المصابين والذي كان يعاني من اصابة في العمود الفقري واعلمته بعدم درج اسم ابنهم المصاب ضمن الوجبة، ولكونه نائب رئيس الجبهة التركمانية العراقية فرع صلاح الدين اتصل على الفور بالمسؤولين عن ملف الجرحى في الجبهة التركمانية العراقية مطالبا ادراج اسم المصاب، حيث احيط علما بان العدد المسموح به لايمكن تجاوزه وسيتم درجه مع الوجبات اللاحقة، بعد مناقشة الامر مع المسؤولين طلب ادراج اسم المصاب بدلا عنه كحل لمساعدته على الرغم من ان احد الشظايا مستقرة في منطقة حساسة تتطلب اجراء عملية جراحية، بعد مداولات دامت ساعات حصلت الموافقة على طلبه، ويتمكن المصاب من السفر بدلا منه ضمن الوجبة الاولى.
عام 2013 كان عاما داميا في مدينة طوزخورماتو، اصبحت المدينة مباحة للارهاب والحكومة عاجزة واخذت موقف المتفرج لما يحدث للتركمان في طوزخورماتو، اذ لم تسلم المناطق التركمانية من الهجمات بالسيارات المفخخة تارة والعبوات الناسفة تارة اخرى، فضلا عن الانتحاريين بحزام ناسف، يوم الاحد 23 حزيران 2013 وبحدود الساعة السادسة والنصف صباحا هز انفجار قوي محلته في قضاء طوزخورماتو، وخرج بمفرده بعيد الانفجارمباشرة وهو ينوي الذهاب الى المحافظة للاطلاع على ما يجري ووصل الى موقع الانفجار قبل التوجه الى تكريت حيث موقع عمله ليكون اول مسؤول يصل الى موقع الانفجار بدون حماية دون ان يعلم احدا بذهابه، بعد عودته الى البيت عرفنا بزيارته لموقع الانفجار الذي نتج عن وقوع ضحايا من الشهداء والجرحى، هب الناس بعد مراسيم دفن شهدائهم مباشرة من المقبرة متوجهين الى الشارع العام الرابط بين كركوك وبغداد وتجمعت قرب جسر اق صو معلنة اقامة مجلس العزاء على ارواح الشهداء هناك في الوقت نفسه قطعوا الطريق الرابط بين كركوك وبغداد معتصمين مطالبين الحكومة بالتدخل لوضع حد للانتهاكات المستمرة يحق المواطنين التركمان وممتلكاتهم في طوزخورماتو.
عاد الشهيد الذي ترك المدينة فجرا في اليوم نفسه بعد سماع خبر الاعتصام لينظم الى المعتصمين قادما من تكريت، مصرا على البقاء بين المواطنين داخل الخيم التي نصبت على الشارع العام، اثناء ذلك ومن خلال الفضائيات التي كانت تغطي الحدث من خلال المقابلات التلفزيونية اوصل رسائل الى الجهات المعنية في الدولة عما يعانيه التركمان في طوزخورماتو
من هجمات شرسة تستهدف بيوت امنة تقتل الابرياء من النساء والاطفال وتسوي البيوت بساكنيها، بعد يومين من حادثة انفجار سيارة مفخخة وتحديدا يوم 25 حزيران استشهد الاستاذ عبدالحسين صادق زهاو الذي اصيب بانفجار يوم 23 حزيران، بعد اداء مراسيم الغسل والصلاة توجه الشهيد قوجا مع مجموعة من المواطنين الى الخيم لمواصلة الاعتصام.
اثناء تواجده مع زملائه داخل الخيمة حدث انفجار في الجهة الشمالية من الخيم على بعد 100 متر تقريبا، توجه الناس وعناصر الامن الى مكان الانفجار الذي لم يصب به احد، في اللحظة التي كان فيها الناس مذعورين وسط اطلاق عيارات نارية والفوضى تعم المكان جائهم ارهابي من بين الحضور حاملا حزام ناسفا مستهدفا الجمع، حيث فجر الارهابي نفسه بالقرب منه ما ادى الى استشهاده ومعه ابنه (ارن) على الفور ، ابنه (ارن) الذي لم يفارقه رغم طلبه له مرارا بالابتعاد عنه لمعرفته مسبقا باستهدافه في كل لحظة والى جانبهم استشهد حفيد ابن عمه الشهيد محمد علي مهدي قصاب قوجا الذي سبق وان استشهد في حسينية سيد الشهداء قبل خمسة اشهر. وقد روي الثرى في مقبرة الشهداء في طوزخورماتو الى جانب ابنه الشهيد مشيعا من قبل اهله واصدقائه وابناء مدينته بعيدا عن اي حضور اعلامي او مراسيم او تغطية تلفزيونية، لم تتكلف حتى القناة التركمانية (تركمن ايلي)بتغطية ما حدث مثلما تفعل مع احداث ومناسبات اقل اهمية بكثير من تغطية استشهاد مسؤول بقامة احمد قوجا.
لقد ترك احمد قوجا بصمات واضحة في مدينته طوزخورماتو التي عرفته من المخلصين لترابها ووفيا لشعبها، النزاهة كانت عنوانا يحمله والصدق والتواضع وحب الخير صفات تحلى بها على الدوام، استشهد ولم يمتلك بيتا او سيارة مثل باقي مسؤولي عراق اليوم، كان يضرب به المثل في المسؤولية والحنكة، واسمه يتداول بين اقرانه وكل من عمل معه او رافقه او عايشه مقترنا بصفات العدل والشرف والنزاهة.
حب الوطن والاستعداد للدفاع عنه ولد معه وعاش معه وصدحت به حنجرته علنا وهو طفل صغير في السابعة من عمره وهو ينادي بالوطن معلنا الدفاع عنه واصفا نفسه بالجندي الصغير، ناضل حاملا سلاحه محاربا اعداء الوطن في كبره والدفاع عن ارضه الطاهرة، استشهد مناديا نفديك ياوطن بالنداء نفسه عندما كان صغيرا ولكن بزمن اخر وهو فيه جندي كبير جسدا وعقلا وايمانا وفكرا.
كنت بطلا كبيرا، دافع عن وطنه بشجاعة، وكنت ندا قويا لاعداء الوطن، فنلت الشهادة ولم يتحقق كل ماتمنيته فالوطن الذي من اجله ضحيت بروحك مازال ينزف، ولم نعد نميز نحن الباقين على قيد الحياة اعدائه من اصدقائه، عشت شريفا مرفوعا الراس واستشهدت وانت تؤدي واجبك تجاه شعبك ووطنك كما كان العهد بك دائما، ستبقى حيا في ضميرنا وضمائر الشرفاء جميعا وعلما من اعلام العراق عامة والتركمان خاصة، تعيش معنا بانسانيتك خالدا ابدا.