قديما قالوا أن الغيرة العراقية لا تعادلها أية غيرة لأي شعب آخر على وجه الارض لكثرة ما مرت بالشعب العراقي من كوارث انسانية على ايدي حكامه الطواغيت وجرت سيول دماء ابناءه في كل واد فأهتزت غيرته عليهم ولم تهتز ( شواربه) على غيرهم .
ففي عصرنا الحاضر ثورة العشرين ووثبة كانون وانتفاضة صفر ورجب وشعبان كلها كانت أودية سالت فيها دماء العراقيين دفاعا عن الوطن والشعب , وهذا ما نطلق عليه مدنيا بــ (الوطنية) التي استوجبت كل هذه الدماء الغزيرة الطاهرة والتضحيات الجسيمة .
ناهيك عن الثورات والانقلابات العسكرية الفاشلة إلا أن كل ذلك لم ينتج (أمراء حرب) وميليشيات حزبية وطائفية تنهب وتسرق وتحرق حتى تتخم بالمال والسلاح كما هو حاصل هذه الايام .
لم يظهر خلال تلك الانتفاضات والثورات والمؤامرات من يفكر باقامة (إمارة) وهو الحلم الذي يراود اليوم العديد من السياسيين الذين ينحدرون من عائلات ( مرموقة ) سواء كانت مشايخ عشائرية او بيوتات افرزتها حقبة الاستعمارين العثماني والبريطاني او ابناء مرجعيات دينية عريقة معروفة بتاريخها الجهادي والوطني .
تلك المشايخ وهذه العوائل والمرجعيات لم يخطر على بالها يوما أن تحصل على إمارة في شمال العراق او جنوبه او وسطه او غربه او شرقه وكل ما كانت تتمناه هو اعادة الحق الى نصابه وطرد المحتلين الاجانب وتحرير الشعب العراقي من التعسف والظلم الواقع عليه .
اليوم وبعد ظهور عصابات داعش التكفيرية بدأت تظهر على سطح العملية السياسية العرجاء الحالية ملامح تجزئة العراق وتحويله الى امارات فامارة الشمال للكورد والغربية للسنة والوسط والجنوب للشيعة على أمل أن يتم طرد داعش من العراق على أيدي أبناءه الغيارى أو على يد التحالف الدولي لا فرق عندهم في آلية تحقيق الهدف .
هذا التقسيم السقيم سوف يتحول الى وبال أشد قسوة على الشعب العراقي من عصابات داعش لان تحقيق هذا الهدف يستدعي عبور الوطنية والمدنية والمبدئية والقيم والاعراف وحقوق الانسان وبدعم من الأجندات الاقليمية والدولية التي دخلت وسوف تدخل من اوسع الابواب لتحقيق ذلك , فتغيب (الوطنية ) وتوضع على الرف ويحضر ( الاغتنام ) في المنظور الاوسع لطلاب الامارات المفترضة .
وبهذا نستعيد المقولة في مجالسنا ودواويننا ان بقيت لنا مجالس او دواوين ( كان لنا وطن ) فأضعناه في طريق تحويل العراق العزيز الى غنائم يتقاسمها طلاب الامارات بعد أن يتقاتلوا ما شاء لهم ذلك.