19 ديسمبر، 2024 12:13 ص

ما السر بتسمية منظمة إرهابية بـ (الدولة الإسلامية)؟

ما السر بتسمية منظمة إرهابية بـ (الدولة الإسلامية)؟

لم يعد خافياً على أحد (في موضوعة المنظمة الإرهابية داعـــش)، بأن واشنطن ليست جادة أو صادقة في القضاء على هذه المنظمة التي أوجدتها وفق أجندتها التي تخفي خلفها عشرات الحسابات .. ويتوضح عدم صدقها من خلال الإمتناع عن تسليح الجيش العراقي والمماطلة والتسويف، فضلاً عن إسقاط أسلحة ومعدات عسكرية، لعناصر داعش في مناطق مختلفة من العراق لاوالذريعة هي (عن طريق الخطأ) إلى جانب طلعات النزهة الإعلامية لطيران ما يطلق عليه (التحالف الدولي).

ومن أجل أن أختصر هذه المقدمة، لأدخل غي صلب موضوع هذه المقالة، فلابد لي أن أورد بعض فقرات من كتاب تضمن كتاب مذكرات السيدة بيل كلينتون وزيرة الخارجية السابقة بعنوان (خيارات صعبة)، صَدَرَ موخراً والذي فجر مفاجأة من العيار الثقيل كما أسماها بعض الإعلاميين مفادها أن: الإدارة الأمريكية هي التي أسست (تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)(داعش)، لتقسيم منطقة الشرق الأوسط.

وأكدت كلينتون في كتابها الذي صدر في الولايات المتحدة الأمريكية قائلةً: (دخلنا الحرب العراقية والليبية والسورية، وكل شيئ كان على ما يرام وفجأة حدث ما حدث في مصر في 30/6 ، 3/7 وكل شيئ تغير خلال 72 ساعة. وقالت كلينتون، تم الإتفاق على إعلان الدولة الإسلامية يوم 5/7/2013. وكنا ننتظر الإعلان حتى نعترف نحن وأوروبا بها فوراً، وتابعت كلينتون: لقد زرت 112 دولة في العالم وتم الإتفاق مع بعض الأصدقاء بالإعتراف بـ (الدولة الإسلامية) حال إعلانها لكن كل شيئ تحطم. فكرنا باستخدام القوة ضد مصر لكن مصر ليست سوريا أو ليبيا، لأن شعب مصر لن يترك جيشه وحده.

ولكن ما السر وراء تسمية هذه المنظمة الإرهابية بـ (Islamic State) وتكرار هذه التسمية عشرات المرات يومياً في النشرات الإخبارية المتلفزة وفي الصحف والمجلات؟ وهل أن هذه المنظمة الكسيحة هي دولة فعلاً .. ونحن نعرف جيداً بأن الدولة يجب أن يكون لها من العناصر الأساسية كي تكون دولة حقاً ألا وهي الحكومة والشعب والإقليم بالإضافة إلى السيادة

والأعتراف بهذه الدولة بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية ويمكنها من ممارسة إختصاصات السيادة الخارجية منها، والطابع (الإقليمي) للدولة يُشير إلى أن الدولة هي تجمع إقليمي مُرتبط بإقليم جغرافي ذي حدود معينة تمارس الدولة (اختصاصاتها). كما أن هذا التجمع الإقليمي يُعامل كوحدة مستقلة في السياسة الدولية. ولا يمكن بأي حال من الأحوال قيام دولة بدون إقليم ثابت ومحدد والدولة لها دستوراً يُمثل مجموعة من القواعد القانونية التي تحدد نظام وشكل الحكم في الدولة.

والآن لابد لنا من التفكير بشكلٍ عميق عن مغزى هذه التسمية (الدولة الإسلامية) وماذا وراء ذلك من هدف ..

في ثمانينيات القرن الماضي استمرت تصريحات قادة الحكومات وصانعي القرار في الغرب لترسيخ أفكار عن خطر إسلامي وصراع حضارات. وخلال إدارة بوش الأب، تحدث نائب رئيس الولايات المتحدة دان كويل عن خطر الأصولية(*) الإسلامية الراديكالية مصنفاً إياها مع النازية والشيوعية. كما كانت افتتاحيات المجلات والصحف الغربية الواسعة الانتشار تطرح افتتاحيات عن حرب الإسلام مع الغرب وعدم إنسجامه مع الديمقراطية وطرحت إحداها سلسلة من المقالات تحت عنوان سيف الإسلام، التي فيها لاتعلم أين تبدأ الحقيقة وأين تنتهي الاسطورة.

أما الدوريات الأمريكية فكانت تصنع عناوين بالبونط العريض لمقالات: حرب مقدسة في طريقها إلينا وجهاد في أمريكا، إنتباه الرعب الإسلامي: فرق عالمية إنتحارية وجزارون في لندن يمولون الإرهاب الإسلامي .. إلخ.

فبالنسبة للعديد من المعلقين الغربيين، بقي الإسلام والغرب يسيران في طريق تصادمي، حيث يُشكل الإسلام تهديداً ثلاثياً: سياسياً وحضارياً وديمغرافياً، وتوصف هذه المواجهة عادةً بأنها صراع حضارات.

وهذا هو برنارد لويس، يتنبأ بنزاع وشيك بين الإسلام والغرب، ويأتي في محاضراته التي عنونها بـ ( جذور الغضب الإسلامي)، ليقول باسم الإسلام والمسلمين: دام الصراع بين الإسلام

والغرب أربعة عشر قرناً، من سلسلة طويلة من الهجمات والهجمات المضادة، والجهاد والحروب الصليبية، والفتوحات والفتوحات المعاكسة.

واليوم تتجلى بشكل واضح خطورة وسائل الإعلام الأمريكية والتلفزيون الأمريكي على زجه الخصوص بشبكاته المختلفة، في مواصلة التشويه لصورة العرب القومية في داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية وتسويق الأنموذج الأمريكي بوصفه (أنموذجاً حضارياً قريباً) فأصبح العربي يظهر اسبوعياً عبر التلفزيون الأمريكي كشخصية ساذجة تثير الضحك والاشمئزاز، فهو إرهابي وطاغية وشيخ متخلف وزير نساء أو تاجر مخدرات أو رقيق أبيض أو مهرب أسلحة. فلا يكاد يخلو مسلسل واحد من إشارة سيئة للعرب والمسلمين في ؤأكثر من حلقة من حلقاته. فمسلسل (امرأة شرطية) تدور الأحداث على أخذ أمريكيات إلى حريم زعماء مملكتين وهميتين.

وفي حلقة (ست سمارت) يظهر أمير عربي استبد بعد الغزو فتزوج (32) امرأة وفي برنامج (البيزنطوم) تم إظهار وجوه الإرهابيين العرب (المسلمين) كوحوه الخنازير. ويمكن القول بأن وسائل الإعلام الأمريكية وبما فيها التلفزيون قدمت العربي المسلم: قذر وناكر للجميل، جبان ومنحط، غشاش وغدار.. يقتني السيارات الفارهة، خاطف عذارى غبي ومتخلف ومخادع ومضلل ومحتال، ومتوحش ومتعصب دينياً ومجنون لا يحكمه العقل.

ولكن كل هذا في رأينا قد يؤثر بترسيخ صورة نمطية للعرب والمسلمين لدى الجيل الحالي من مشاهدي التلفزيون في الغرب. (بأن العرب إرهابيون يريدون تدمير العالم).

ولكن ماذا يريد اليوم الإعلام الأمريكي وصانعوا استراتيجياته من وراء خلق مثل هذا التنظيم، وإلصاق اسم (الدولة الإسلامية) به؟ بالتأكيد هو تأصيل الصورة النمطية السلبية والسيئة لدى الأجيال القادمة في المجتمعات الغربية (ممن هم حالياً في مرحلة الطفولة) عن العرب والمسلمين، من خلال سماعهم على مدى اليوم، وكل يوم، جُملة (الدولة الإسلامية)، وهي لصيقة بأبشع ممارسات ضد الإنسانية من قطعان همجية، تمارس أبشع أنواع الجرائم والانتهاكات، وهي تمثل الخراب والدمار للبشرية.. وهكذا يراد من كل ذلك تراكم الصورة السلبية وترسيخ وتنميط الصورة الذهنية لدى الأجيال القادمة في مجتمعات الغرب عن العرب والمسلمين. وخير دليل على ما ندعيه، هو ما أشار إليه (بول فندلي) (عضو سابق في الكونغرس الأمريكي في كتابه

“من يجرؤ على الكلام”) إلى تلك الصورة المشوهة بقوله وتأكيده بأنه لم يتعرف على حقيقة الإسلام إلّا.. في السبعين من عمره.. بسبب الصورة الزائفة التي كان يتعلمها عن الإسلام هو وأقرانه في المدارس الإبتدائية والثانوية وحتى الجامعات وبسبب الصورة الذهنية المزيفة عن الإسلام والتي أحملها من الصغر، جعلتني لا أفاجأ بوجود أمريكيين آخريين يحملون نفس الأفكار، وأن التوظيف السيئ للصورة النمطية تنشأ عندما تشوه شعباً رجالاً ونساءً وأطفالاً يعانون من فداحة هذا الدرس.