17 نوفمبر، 2024 10:47 م
Search
Close this search box.

القنص السّيكولوجي في (تهجّدات) عبد المنعم حمندي

القنص السّيكولوجي في (تهجّدات) عبد المنعم حمندي

لابد عند قراءة (تهجّدات ) المجموعة الشعرية للشاعر عبد المنعم حمندي من مغادرة المساحة الموروثة التي تركت لنا وجعلتنا ندور ضمن الأنساق الوصفية والإيقاعات ذات الغرض البنائي وكذا المضامين المجزأة وما يلحق بها من إرساليات تقتضيها التشكيلات الشعرية ذات البعد الصوري الأحادي ،وحين نأى الشاعر عبد المنعم حمندي عن تلك الإشكالات التي ذكرتها ، كوّنَ مقودا ذاتيا لرسم إبهته الشعرية وتسخير مكنوناته النفسية بكل طاقاتها والبدء بالإشتغال قي حيزه الإنتقالي ، فحساسيته تجاه الأشياء لم تخلقها المصادفة أو حالات من الشك العفوي أو ضمن دوافع الوهج الكتابي للتعجيل بإنتاج لحظته الشعرية ،وإنما من خضم مجمل تحولاته النفسية وأنصهاراتها في البؤر العميقة للذات ،وبالتالي توالد قدراتها الإنتاجية ضمن سيل من المرار والخيبات وأعظمها وأجلها الخيبات الشمولية ذات الطابع الوجودي الذي يتعلق بالوطن وبكل المفردات والأماكن التي تتصل به ، ناهيك عن لوعات الذات الشخصية ،لاشك بأن تلك الإنفعالات حالة متقدمة خلقتها الوقائع البصرية والوقائع ذات الإرجاع الباطني والتي أدت الى أشباع أعلى في مناطق اللاوعي وخلقت له أزمته الشعرية التي تواصلت وقلقة الشعري ليتمكن من الإفادة

من المخزون العاطفي بقدرات تكيفية مع الوهج النفسي وترتيب عرضه التخيلي للإنسلال خفية وبتقدير محسوبٍ من عاملي الزمان والمكان والتعامل معهما بمديات إختمارية ،كي يبقى الشكل العام لمضمون نصوصه طازجا لتهيئة التطورات المتلاحقة في المخيلة عبر مايمكن التأسيس عليه من (لوعة- فراق – توقع – إندحار – فجيعة- قفص- خفافيش-..) وصولا الى الموت والذي يعني لديه غياب وطن وأنكفاء ذاكرة ،

أمام ذلك خلق الشاعر عبد المنعم حمندي في تهجداته خلق ذاكرة رثائية حين مرت أمامه ذكرياته وهو في سيح الكتابة مرت من أمامه كشريط سينما في كهف معتم ،ليستطع من إستيعاب وجوده بما يقدمه من مطالب لمخيلته كي تعيدَ تأجيج صورها الشعرية وفق اغراض ذلك الصراع النفسي المشحون بقوة التركيز وبالفعل الوجداني الطليق ضمن غايات فلسفية وجمالية لإلتقاط المزيد من رسائل اللاوعي وتجنيد قدراتها للشعور بنعيم الصبر والمطاولة ضمن اللغة التي أُعدت مذ توجه الشاعر لبدايات قاموسه الشعري حيث تزاحمت في هذا القاموس أشكالُ الدلالات من الحزن والفجيعة:

إنّها لُغةُ الحزن ..

تلهثُ في بؤبؤ الطير والحُنجرة

إنها اللغة المجزرة

إنها الموت،

فأحتطبي الموتَ … يامقبرة

وفي أكثر من نداء الى النفس يتوجه الشاعر الى إغناء حاجاته عبر آماله التي يراها تقف خلف بوابة المستحيل فلديه محدد واضح محاطٌ بمبهم لامحدود وهنا صلة بين الظاهر والمستور الشخصي ومنظومته النفسية التي قاعدتها ذلك الحجم المركب من اسئلة الذات وحواراتها ،وهو قد إبتدع مخيلة خالية من التناقض والإضداد كون رسائله في تهجداته رسائل لبلاده التي أحبها رغم إمتلاء سمائها بالغربان وأمتلاء أرضها بالدناصير وقد نجح الشاعر في تحويل الموجودات الشعرية والتي إستقطبتها رسالته الشعرية الى موجودات خاصة ضمن محركات التوهج النفسي فكانت مديات القنص لديه تتم بحسن تقدير وملائمة المفردة هنا أو هناك لتشكل لدية الصور الشعرية وحدات قياسية تضع المشهد الشعري كركائز في بنيوية النص ، وقد خلق ذلك تكاملاً في تكوين أفكاره وإيداع تلك الأفكار في مناخها المناسب :

كم تأملتُ منعطفَ الحلمِ

في غيهبٍ لم يرَ الفجرَ يوماً

برغمَ الحنينِ الى شرفةٍ

في الزمان البعيد

أن ذئبَ الحروبِ لهُ ليلُ ذاكرةٍ

وحزنٌ عميق

يقيسُ السماءَ بآهاتنا

والمدى أسودٌ وغرابٌ شريد

ونجمٌ إذا ما أطلَ على ظلمةٍ

في المتاهاتِ عيد ،

كلما أيقظ المطرُ الذكريات

بيومٍ جديد

وأرتداني الشروقَ غدا

بجناحين من عسجدٍ

في الفضاء السعيد

سأزفُ إنعتاق الشموس

لأنثى الصباحِ

وأُذكي الظما

في الجليد

وبالتضاد من ذلك وكدليل على حيوية الحياة رغم بؤسها أوجد الشاعر عبد المنعم حمندي العديد من الدالات الإشراقية ذات القيمة التحفزية وأحسن في إستخدامها ليتنقل بين محطات شعرية بمثابة وقفة تأهيلية جديدة للمتلقي فأستخدم ضمن منظاره الجديد ( النهر – الطيور – السنبل- العذارى – العشق – المرآة – غيوم- مواعيد ….. )، وبذلك أقام بين مختلف الكلمات محفزات إتصال ليبقي ما كتب قابلا للخلود .

[email protected]

أحدث المقالات