كتب – محمد محروس :
في اليوم العالمي للمسرح الذي احتفل به المسرحيون في العالم جله أمس, يوم 27 آذار/مارس 2017.. هو اليوم الذي اتفق المسرحيون على ان يكون يوماً يحتفلون به سنوياً.. نشأت فكرة الاحتفال في “فيينا” اثناء المؤتمر العالمي التاسع لـ”المعهد الدولي للمسرح”ITI 1961، وقد تم تحديد هذا اليوم 27 آذار/مارس من كل عام بـ”يوم المسرح العالمي”, وهو تاريخ افتتاح مسرح الأمم في عام 1962 في باريس, ومنذ ذلك الحين أصبح تقليداً سنوياً للاحتفال بالمسرح, ومازال كثير منا – نحن المسرحيون – نتساءل كل يوم.. ما المسرح؟.. ما الذي نود ان نفعله ونرجو ان نقوله؟.. ما الذي يدفعنا دفعاً نحو الشغف به والتفاني في سبيله؟.. هل هو مجرد تسلية يقدمها المسرحيون للجماهير لتسري وتخفف عنهم وطأة الحياة؟.. ربما.. ام هو كشف لدخيلات نفوسهم و تعرية لواقعهم المرير ومن ثم تطهير أرواحهم من كل شائبة من خلال حثهم على البكاء والانفراج؟.. ربما هذا أيضاً.. توجد العديد من الإجابات على ذلك السؤال السرمدي الأبدي, ما المسرح؟..
سؤال الماهية.. سؤال مطارد
ولكن الممعن في التفكير لا يرضى بأن يكون تعريف المسرح هو مجرد تعريف لـ”آلية تكوينه” أو “فعالية وظيفته”.. وانما يفكر فيما هو أبعد من ذلك التعريف واعمق من تلك الكلمات, يذهب الباحث والمستقصي إلى سبر اغوار النفس البشرية وحاجتها إلى التفرد والتميز, وغريزتها المستمرة في ترك انطباع ما على كل المحيطين.. في رأيي ربما كان هذا هو الدافع الرئيسي لخلق ما يسمى بالمسرح.
كما يظن أغلب الناس كانت نشأة المسرح عند الإغريق من خلال الاحتفالات الدينية التي أقامها اليونانيون لإلههم “ديونيسيس”, والذي كانوا يبجلونه باقامة الاحتفالات والرقصات في ألوان من الشعائر الدينية المعربدة, إلا ان علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الطبيعة اكتشفوا ان المسرح قد بدأ منذ بداية الإنسان الأول في عصور ما قبل التاريخ, عندما كان رجل الكهف البدائي يتقرب من الآلهة التي ابتكرها عن طريق طقوس يمثل فيها محاكاة للرياح والأعاصير والبراكين والزلازل, تلك الظواهر الكونية التي لم يكن يفهمها ويظن انها أيادي للآلهة تبطش بها وتنغص عليه عيشه, فظن انه بمحاكاته لتلك الظواهر فهو بذلك يتقي شرها ويتضرع إلى الآلهة لكي تتوقف عن استخدامها ضده, كان ذلك انطباعاً يود الانسان البدائي ان يطرحه على آلهته التي يعبدها, ومن ثم تطورت فيما بعد إلى طقوس دينية مرتبة تؤدى بانتظام في مواعيد مقدسة تتخللها القرابين البشرية المقدمة إلى الإله بعد كل تمثيلية, ومجتمعات أخرى كانت تمارس نفس الطقوس من خلال الرقصات والغناء, ومجتمعات أخرى كانت تتسامر بالحكي عن الأبطال عن طريق محاكاة الأساطير والمغامرات التي خاضوها, وترك الإنسان الأول على الكهوف نقوشاً تحكي كيف كان يجلس مع ذويه كل ليلة بعدما يعود من الصيد في حلقات سمر وينهض لكي يحكي في تمثيلية ماذا حدث له في رحلة الصيد وكيف قتل الوحوش والضواري.. تلك كانت القيمة الأولى المدهشة التي ما زالت مستمرة حتى الآن, ترك الانطباع, ان الانسان منذ بدايته شغوف بترك انطباع ما على المتلقي الذي أمامه, راغب دائماً ان يرى مدى تأثيره في الآخرين, يرى دوماً ان هناك حقيقة واحدة لكل الاشياء, حقيقة خاصة به هو دون غيره من الناس, يتمنى دوماً لو يرى الناس كل شيء في هذا العالم من خلال عينيه هو, ولو يحس الناس بكل شئ في العالم من خلال شعوره هو, هكذا نشأ “المسرح” وهكذا نشأت “الدراما”.
المكان الحقيقي الوحيد
ان المسرح بالنسبة لنا نحن المسرحيين هو “المكان الحقيقي الوحيد”, وما يجري عليه هو الحقيقة الوحيدة القابلة للتصديق, وما عدا ذلك من حياتنا وكل ما يحدث خارج نطاق المسرح هو مجرد خيال ومحض زيف, أمور اعتيادية تحدث فقط لكي نستوحي منها ما نود ان نقوله فوق خشبة المسرح, وهؤلاء الجماهير التي تحضر هنا لا يأتون لكي ينشدوا التسلية فقط ولا ليقضون وقتاً طيباً فحسب, انما يأتون إلينا لكي يروا الأمور على حقيقتها, في هذا المكان فقط.. المسرح.
*كاتب، وناقد مسرحي