استلمت رسالة كريمة من الدكتور كامل عباس مهدي تعليقا على هذه السلسلة من مقالاتي يشير فيها الى الحلقة الثانية منها بالذات , والتي تحدثت فيها عن اول سفير عراقي في موسكو للجمهورية العراقية بعد 14 تموز 1958 وهو المرحوم عبد الوهاب محمود, ويعتبر الدكتور كامل عباس مهدي ان هذه المعلومة غير دقيقة , اذ ان اول سفير عراقي في موسكو هو والده المرحوم عباس مهدي (1898- 1961 ) , الذي وصل الى موسكو عام 1945 وبقي فيها الى عام 1947 ممثلا للمملكة العراقية آنذاك . لقد أشرت في مقالتي تلك الى ان العلاقات العراقية – السوفيتية قد بدأت طبعا في عام 1944 , وان مقالاتي عام 2014 قد انطلقت بالذات لمناسبة الذكرى السبعين لاقامة هذه العلاقات , لكنها لم تصل الى مستوى السفراء الا بعد اعلان الجمهورية العراقية, لكن الدكتور كامل يشير الى ان والده كان ( وزيرا مفوضا ومندوبا فوق العادة ) لتمثيل المملكة العراقية في الاتحاد السوفيتي , وانه كان – بالنسبة لمفاهيم تلك المرحلة الزمنية – بمثابة السفير , واود ان اسجل اعجابي الشديد بملاحظة الدكتور كامل الدقيقة واحييه على ذلك خدمة للحقيقة وتسجيلا للتاريخ وتوثيقا له, وأظن اننا لم نختلف كثيرا , اذ ان المرحوم عباس مهدي كان فعلا يقوم بتلك المهمة في حينه رغم كونه لم يحمل العنوان الوظيفي المشار اليه اعلاه وهو (السفير). لقد بدأت بكتابة سلسلة مقالاتي هذه انطلاقا من تجربتي الشخصية البحتة ليس الا , اذ اني وصلت الى موسكو للدراسة فيها عام 1959 عندما كان المرحوم عبد الوهاب محمود سفيرا للجمهورية العراقية , وعلى هذا الاساس كتبت تلك المعلومات التي كنا نتداولها – نحن الطلبة – آنذاك , وكانت مناسبة الذكرى السبعين لتلك العلاقات السبب المباشر لذلك كما أشرت اعلاه , أما الشرارة ( ان صح التعبير ) التي دفعتني لكتابة هذه السلسلة فكانت الوقفة التأملية عند الجدار الخاص بصور السفراء العراقيين في السفارة العراقية بموسكو , وهو جدار تاريخي بكل معنى الكلمة يضم صورا لسفراء العراق في موسكو كافة وهم يقدمون اوراق الاعتماد الى القادة السوفيت والروس فيما بعد , وتحت كل صورة اسم السفير وتاريخ بداية ونهاية عمله في موسكو واسم الزعيم الروسي الذي يتسلم منه اوراق الاعتماد, والصورة الاولى هناك لعبدالوهاب محمود , وانا احاول في كل مرة ازور بها السفارة لانجاز معاملاتي الرسمية ان ألقي نظرة على هذا الجدار
واحاول ان اسجٌل بعض الملاحظات بشأن الاسماء الكاملة للسفراء و تواريخ عملهم في موسكو للاستفادة منها لاحقا في كتاباتي , { بل اني سألت مرة العاملة الروسية التي مرٌت بالصدفة من قرب الجدار ( وهي التي عملت اكثر من ثلاثين سنة في السفارة ) عن انطباعاتها عنهم , فأشارت الى احدى تلك الصور حيث كان فاضل البراك يقف وقالت انها كانت تخاف منه لانها كانت تعلم انه (أقوى من السفير) , ولهذا كانت تلبي رأسا كل اوامره وطلباته !!! }, ولا توجد الان على هذا الجدار – مع الاسف – صور الذين عملوا قبل 14 تموز 1958 , ولكني أذكر مرة اني شاهدت بعض صور هؤلاء معلقة على هذا الجدار , وقد استفسرت عن تلك الصور في حينها وعرفت ان السفارة حصلت عليها اكمالا لتاريخ العلاقات العراقية – الروسية , الا اني لم اجدها بعد فترة , ولا اعرف سبب ذلك , وربما يعود السبب الى ان الصور كانت شخصية ليس الا ولا تتناسب مع الصور الاخرى التي تمثٌل السفراء وهم يسلمون اوراق اعتمادهم الى القادة الروس , واتمنى ان تعيد السفارة تلك الصور الى ذلك الجدار- رغم ذلك – في ركن خاص , اذ انها صور تاريخية فعلا , ومن المؤكد ان صورة المرحوم عباس مهدي كانت من ضمنها .
تشير رسالة الدكتور كامل ايضا الى ان والده كان الوزير المفوض في طهران قبل تسنمه المنصب نفسه في موسكو , وهذا يؤدي بنا الى الاستنتاج بانه هو بالذات الذي أجرى اتصالات مع السفير السوفيتي بطهران لاقامة العلاقات الدبلوماسية العراقية – السوفيتية في حينها ( بناء على تعليمات الحكومة العراقية والتي كانت تنسق مع الجانب البريطاني طبعا اثناء الحرب العالمية الثانية ) كما تؤكد المصادر والوثائق حول تاريخ اقامة هذه العلاقات , وبالتالي فان تكليفه بالسفر الى موسكو وافتتاح السفارة العراقية هناك هو واقعيا استمرار لتلك المهمة التي بدأها في طهران , وهي نقطة جديرة بالانتباه , وخطوة ذكية جدا من قبل الدبلوماسية العراقية بلا شك بتكليف شخص يعرف اوليات الموضوع وساهم في حياكة تفاصيله .
توجد في رسالة الدكتور كامل كذلك اشارة الى مصدر مهم حول هذا الموضوع بالذات , وهذا المصدر هو رسالة ماجستير قام بها الاستاذ محمد عبود الساعدي في قسم التاريخ بكلية التربية في الجامعة المستنصرية عام 2013 حول هذا الموضوع بعنوان – ( عباس مهدي ودوره السياسي في العراق حتى عام 1961) , ولكني – مع الاسف – لم استطع ان أطلع عليها , الا اني قرأت لنفس هذا الباحث مقالة واسعة وتفصيلية في جريدة المدى الغراء ( ملحق ذاكرة عراقية بتاريخ
19/1/2014 ) عن هذا الموضوع بعنوان – ( حكاية أول سفارة عراقية في موسكو سنة 1945 واول سفير عراقي فيها ) , ووجدت في تلك المقالة تفصيلات رائعة فعلا عن نشاط المرحوم عباس مهدي في موسكو ومتابعة دقيقة وذكية من قبله للاحداث السياسية السوفيتية آنذاك و الخاصة بالعراق والعالم العربي , ومن المؤكد ان الباحث قد استند الى مصادر محددة بشأن ذلك ( رغم انه لم يذكرها في مقالته مع الاسف ) , ومنها استقبال ستالين له بتاريخ 13 كانون الاول عام 1945 , وان صحت تلك المعلومات ( واظن ان الامر كذلك ) فانه يمكن القول ان عباس مهدي هو اول شخصية عراقية رسمية قابلت ستالين وتحدثت معه – حسب معلوماتي المتواضعة – , وهي معلومة تاريخية طريفة .
شكرا للدكتور كامل عباس مهدي على رسالته المهمة فعلا , وشكرا للباحث الاستاذ محمد عبود الساعدي على دراسته المبتكرة والاصيلة في تاريخ العراق الحديث .