كثيرة هي الأزمات التي تعصف بالشارع العراقي, وهذه الأزمات لم تأت من فراغ وإنما بفعل فاعل, وهناك العديد من الأيدي التي تتلاعب بمصير العراقيين وتخلق هذه الأزمات بما يصب في مصلحتها ويخدم أهدافها في هذا البلد الذي ابتلي بان يكون حطبا لنار الصراع بين الدول والأجندات الشرقية والغربية, ولعل من أوضح التدخلات الخارجية في العراق هو التدخل الإيراني خصوصا في الفترة الأخيرة, بحيث هذا التدخل والتغول خلق الكثير من الأزمات في العراق, كالحرب الطائفية التي ترشح عنها العديد من الأزمات الفرعية ومنها أزمة النازحين.
فأزمة النازحين التي باتت من الأزمات الكبرى في العراق لم تأت من فراغ, وإنما بدفع وبترتيب خارجي إيراني بحت, حيث إن إيران تسعى إلى تغير خارطة العراق الديموغرافية بشكل يتناسب ومشروعها التوسعي الإمبراطوري في العراق, وبدأت ترسم تلك الخارطة لتوزيع السكان بشكل يخدم مصالحها, إذ قامت بمحاولات تصفية وتنقية المحافظات الشيعية في الوسط والجنوب من المكون السني, وما يشهد لذلك هو عمليات التصفية والاغتيالات التي شهدتها محافظة البصرة لأهل السنة, وكذلك عمليات الاغتيال في محافظة ديالى وصلاح الدين خصوصا مدينة سامراء وقضاء الدجيل والمدن المتاخمة للعاصمة بغداد, إذ تسعى للضغط على أهل السنة لترك تلك المحافظات والذهاب إلى المحافظات السنية.
أما محافظة بغداد فكما يعرف الجميع إن مناطق حزام بغداد أغلبيتها سنية, لذلك نجد إن عمل المليشيات الموالية لإيران في تلك المناطق قائم على أساس الاغتيالات والتصفية الجسدية والخطف والابتزاز, أما المناطق التي تقع داخل بغداد كالاعظمية وغيرها نجدها دائما ما تتعرض للظلم والاضطهاد والإجحاف وعمليات العزل, وما شهدته مدينة الاعظمية في زيارة الإمام الكاظم “عليه السلام” من عمليات حرق وتخريب للممتلكات ومحاولة زج المدينة بحرب ما هو إلا دليل كاشف عن مسعى إيران ومليشياتها في خلق أزمة تكون نتيجتها تهجير أهالي هذه المدينة إلى المحافظات السنية, وكذلك عمليات الاغتيال التي طالت العوائل النازحة من الانبار وإجبار بقية العوائل للعودة لمدنهم ومحافظاتهم, هذا كله لجعل بغداد محافظة شيعية بالكامل.
أما محافظة الانبار فنجد إن الحكومة العراقية وبدفع وضغط من المليشيات الإيرانية وبتوجيه إيراني أغلقت أبواب العاصمة بغداد بوجه النازحين من محافظة الانبار, فبعد إن كان يطلب من النازحين كفلاء لضمان دخولهم للعاصمة, نجد إن هذا الشرط تم إلغاءه ولا يقبل دخول أي شخص مهما كان والحجة والعذر هو ” دواعي أمنية ” إذ اتهموا النازحين بأنهم من عوائل الدواعش ومن عوائل البعثية وهذه التهمة تضمن لهم عدم انتفاض الشارع العراقي الذي حقن وشحن بالطائفية, هذا ن جهة ومن جهة أخرى احتلال المليشيات لمدينة النخيب التي كانت ومازالت سنية تابعة لمحافظة الانبار.
حقيقة هذه الأمور كشف عنها المرجع الديني العراقي العربي السيد الصرخي الحسني, وبين المساعي الإيرانية ومحاولاتها لإعادة ترسيم خارطة العراق على أساس طائفي وبشكل يخدم مشروعها الإمبراطوري, وذلك بقوله …
{…إن إيران تسعى إلى إفراغ المحافظات الوسطى والجنوبية إضافة لبغداد من إخواننا وأهلنا السنة حيث يعتبرونهم إرهابيين أو حاضنة للإرهابيين من قاعدة ودواعش وبعثيين وصداميين وعروبيين وقوميين معادين للمشروع الإمبراطوري الإيراني, إلى هذا المنهج المسموم يرجع سبب الاعتداء على الخط الشيعي العربي الإسلامي وارتكاب المجازر بحقه وعلى رأسها مجزرة كربلاء فيراد إفراغ تلك المحافظات من كل صوت معادي للمشروع الإيراني التوسعي هذا هو منهج إيران وكل القوى الدينية والمليشياوية والسياسية المرتبطة بها من أول الاحتلال وقبله وعملوا على التهجير والتصفيات الجماعية.
فهل يعقل إن إيران ستسمح بتهديم ما حققته لسنين من الإجرام ويأتي بسهولة أهل الانبار وغيرهم من محافظات فيدخلون لبغداد ومحافظات الوسط والجنوب فينهدم كل ما أسسه الإيرانيون من تطهير عرقي واثني وطائفي؟!…}.
وهي بهذا تريد أن تصنع لها حدود ممتدة من محافظة ديالى مرورا بمحافظة صلاح الدين وتحديدا بمدينة سامراء وينتهي بمحافظة الانبار بعد أن تقتطع منها مدينة النخيب, وهذا المشروع لا يخدمها إن كان هناك من أهل السنة في داخل المناطق التي تريدها أن تكون شيعية بحته, ولا نستبعد جدا إن مدينة النخيب ستشهد عمليات اغتيال وتصفية وعمليات تخريب وسلب خصوصا في الأيام القادمة وسيُسمح لتنظيم داعش بدخول هذه المدينة لكي يكون هناك مبررا لإجرام هذه المليشيات وبشكل يخدم مصلحة إيران ومن أجل إفراغ هذه المدينة من أهل السنة واستبدالهم بالشيعة .