23 ديسمبر، 2024 7:45 م

سياسيو العراق بين سقوطين

سياسيو العراق بين سقوطين

في يوم الثلاثاء 10 حزيران 2014، أُعلن رسمياً عن سقوط مدينة الموصل بيد داعش. حصل ذلك، بعد هروب محافظ الموصل و اعضاء مجلس المحافظة و الشرطة المحلية للمدينة و مسؤولين آخرين، عسكريين و مدنيين رفيعي المستوى. و ظلّت نتيجة التحقيق في هذه القضيّة مجهولة لحدّ الآن، تتناقلها اللجان التحقيقية في مجلس النواب العراقي، من لجنة الى أخرى.

في يوم 18 نيسان 2015، نزح من الانبار الى بغداد عن طريق جسر (بزيبز) الذي يربط بين محافظتي الانبار و بغداد، أكثر من 120 الف شخص. وقد عزيت أسباب نزوح هذا الكم من الاشخاص، الى الدعاية و الحرب النفسية، التي روجتها (داعش) في ليلة واحدة بين اهالي الأنبار، الأمر الذي اجبرهم على ترك منازلهم، و التوجه الى بغداد و كربلاء و محافظات أخرى. و في الايام التالية تم اعادة الكثير من العوائل النازحة الى الانبار، بعد اقتناعهم بانهم كانوا ضحية لدعاية كاذبة.

و جدير بالذكر فقد قامت المرجعية الدينية في النجف الأشرف باصدار التوجيهات الى أئمة الجوامع الشيعية و الحسينيات بفتح الأبواب لإيواء النازحين، كما ارسلت المرجعية العديد من القوافل الخاصة بمواد الاغاثة الى هذه العوائل.

في يوم الخميس 14 أيار 2015 ، بدأت بعض التسريبات الاخباريّة، تتحدث عن خرق أمني في محافظة الأنبار. وفي يوم الأحد 17 أيار 2015 ، أُعلن رسمياً عن سقوط الانبار بيد الدواعش. و بالرجوع الى الوقائع المسجلة الخاصة بنكبة المحافظتين، نجد تطابقاً تامّاً في مجرى العمليات العسكرية، على مستوى قوات داعش المهاجمة، و القوّات العراقية المدافعة. كما يوجد تشابهاً كبيراً بيّن النتائج التي ءآلت اليها سقوط المدينتين.

المشترك بين القضيتين هو خيانة المسؤولين في المدينتين، بدءً من المحافظ و أعضاء مجلس المحافظة ،و قائد الشرطة المحلية، و أفراد الشرطة المحليّة، وصولاً الى القوات الساندة، من قوات الجيش و الشرطة الاتحاديّة، لكل من مدينة الموصل و الأنبار.

في الفترة التي امتدت قبيل نزوح أهالي الأنبار، في شهر نيسان الماضي، و سقوط الانبار في شهر أيار الحالي، ظهرت مزايدات من قبل السياسيين السنة و محافظ الانبار صهيب الراوي و صباح كرحوت رئيس مجلس المحافظة، و عدد من اعضاء مجلس المحافظة، و شيوخ عشائر من الأنبار، الذين رفضوا أي مبادرة لطرد (داعش) من الانبار، بمشاركة الحشد الشعبي.

و لابد ان نستذكر، اتصال عدد من مسؤولي الأنبار، بالسفارة الأمريكية و طلب المساعدة من أمريكا، لتسليح عشائر الانبار. علماً ان عديد الشرطة المحليّة لمحافظة الانبار 23 ألف منتسب، يستلمون رواتبهم الشهرية كاملة، من الخزينة العراقية. و قدّ اعلن السيد النائب هيثم الجبوري، في أحد لقاءآته التلفزيونية، ان صحوات محافظة الانبار صرفت منذ عام 2005 والى الآن، مبلغاً قدره 243 مليار دينار.

و يجب أن لا ننسى كذلك، ذهاب وفد من محافظة الانبار الى أمريكا لعرض موضوع تسليح عشائر الانبار، على الادارة الأمريكية بصورة مباشرة. و يعرف الجميع ان الحكومة المحلية لمحافظة الانبار، قد غادرت المحافظة بوقت ليس بالقصير، حيث سكن قسم منهم في مدينة أربيل، و القسم الآخر سكن في عَمّان، و القسم الآخر جاء الى بغداد، للقيام بحملة اعلامية للمطالبة، بتسليح ابناء عشائر الأنبار لمحاربة (داعش)، و عدم اشراك قوات الحشد الشعبي، في تخليص الانبار من شر (داعش).

و الآن تغيّرت نغمة من كان يطالب، بعدم اشراك الحشد الشعبي، ليطالب الآن بالسماح للحشد الشعبي، للمشاركة في تحرير الانبار، حتى أن البيت الأبيض الذي كان يعتبر الحشد الشعبي، عبارة عن ميليشيات لا يُؤمَن جانبها، أعلن مساء يوم 19 آيار 2015، (سندعم قوة حشد شعبي متعددة الطوائف لتحرير الانبار و تكون تحت امرة العراق)(قناة العربية/الشريط الاخباري). فما السبب الذي احدث هذا التبدّل في المواقف؟.

منذ عام 2003 و لحدّ الآن لم يلمس العراقيون تحسناً في الكثير من جوانب حياتهم، مقارنة بحجم الاموال العامة الكبيرة جداً، التي هدرت سدى، و أكلها الفساد الاداري و المالي. و لم يستطع السياسيون العراقيون، من ايجاد مخرج لانقاذ الشعب العراقي، من المشاكل، التي صنعتها سياسات المحاصصة و سياسة التراضي و التخاذل، وعلى رأسها حسم الملف الأمني. و إذا تركنا كل المتعلقات جانباً، فستبقى سُبّة سقوط محافظتين عراقيتين، وصمة عار في جبين السياسيين الخونة والمتخاذلين.

فما قيمة الوطنية اذا يترك خونة الوطن، يتساوون مع الوطنيين في الحقوق، و يستثنون من الواجبات؟.

وما أرخص تراب الوطن، عندما يكون ملاذاً للأشرار و المأجورين و الخونة؟.

ان الشرفاء يبذلون دماءهم بسخاء و بدون مقابل، لحفظ ارواح و اعراض الابرياء العراقيين، لكن بشرط ان لا يكون مستقبلاً أيّ مكان، لسماسرة السياسة الذين باعوا الموصل و الانبار، و الذين اغرقوا العراق بالفساد.

و بعد تحرير محافظة الانبار، (و سيتحقق ذلك بعونه تعالى قريباً) بعزم الاشاوس من أبطال الحشد الشعبي، و المخلصين من ابناء قوات الجيش و الشرطة العراقية. و بعدها لابدّ ان ينتفض الشعب العراقي، و يطالب بمقاضاة السياسيين العراقيين الذين تاجروا بأرواح ابنائه، لينالوا جزاءهم العادل. حتّى تُسترد للعمل الوطني قيمته المعنوية، بعدما ابتذلها سماسرة السياسة، بصفقات المحاصصة و التراضي.

و حينها ستكون هناك الكثير من الملفات، التي أُزويت عن انظار الشعب العراقي، و التي يجب ان تفتح صفحاتها أمام الرأي العام العراقي. و بعدها سيكون لكلّ حادث حديث. و الله تعالى من وراء القصد.