23 ديسمبر، 2024 9:31 م

بصعوبة استطعت ولوج الفرع المؤدي الى موقف السيارات، فقد كان مزدحماً على غير العادة، بشتى الموديلات والاحجام من السيارات. وعند مدخل الموقف، خرج شاب ببدلة رسمية، راكضا باتجاهي مشيرا الي بالتوقف والابتعاد عن المدخل، وقبل أن أتساءل عن السبب، ظهرت من خلفه سيارة من ذوات الدفع الرباعي بزجاج مظلل، فابتعدت وأنا أكتم غيظي. تهادت السيارة لتتبعها سيارات أخر، كان يقود أحداها شاب بزي عربي، يمسك المقود بيد ويتباهى بسيكار طويل يمسكه بيده الأخرى، وكل هؤلاء اشتركوا في عدم مبالاتهم بما حولهم من البشر والأشياء.
وبعد دخولي الى المسرح الوطني لأجل عمل ما، أدركت سبب حفلة السيارات والزحام وكل ماواجهته في طريقي، حيث كان يجري عقد مؤتمر لشيوخ العشائر على قاعة المسرح. وفي بهو الاستقبال، كان ينتشر العديد من هؤلاء الشيوخ بأعمار مختلفة، ب(دشاديشهم) البيض (الترفة) وعباءاتهم التي اختلفت الوانها وغلت أثمانها، وكوفياتهم التي غلب عليها اللون الابيض بينما كانت الاخرى منقطة بالابيض والاسود والوان اخرى، حتى بدا الامر وكأنه عرض أزياء تراثي.
وعلمت انه احد المؤتمرات التي تجري لغرض المصالحة الوطنية ومناقشة مشكلات النازحين و الخ، أما حقيقة الأمر، وهو مايحصل في معظم المؤتمرات، تكون خاتمته دعوة غداء وتعارف بين الحضور من ناحية، واستعراض للوجاهة من ناحية أخرى. فكما هو الحال مع السياسيين، أصبح لبعض الشيوخ سيارات مصفحة وحمايات ببدلات لماعة وأجهزة لاسلكية وأخرى خلوية حديثة، بل وصفحات على الفيس بوك.
في زمن مضى، كنا نسمع عن شيخ العشيرة فقط، وكان عدد الشيوخ لايتجاوز عدد العشائر في العراق، وان كثر، كان للشيخ هيبة يفرضها اسمه، بل وحتى سنّه، و مضيفه والمسؤولية التي يتحملها وهو يتبنى عشيرة تمتد جذورها في وسط العراق وجنوبه بل وحتى شماله أحيانا. وبسبب سيادة القانون وهيبة الدولة، لم يكن الناس يحتاجون الى تدخل الشيخ الا في الامور العشائرية البحتة. أما الشيخ فكان يتصف بكل ماقرأناه في كتب التاريخ والتربية الوطنية وغيرها من كرم ووفاء وشجاعة وشرف الكلمة، فكلمة الشيخ لاترد ولاتستبدل ولو كان الثمن حياته.
في تقرير اخباري على احدى القنوات، تحدثت احدى النساء وهي تذرف دموع القهر وتستعرض حالها وحال اسرتها واربع اسر أخرى تسكن في غرفة بعد ان تم تهجيرهم من المحافظات التي سيطرت عليها عصابات داعش، وصرخت بحرقة: «أين شيوخنا، لم غادرونا الى عمان ودبي مع عائلاتهم وتركونا نواجه الارهاب والنزوح، ألم يتعهدوا بحمايتنا والقتال مع ابنائنا وأزواجنا الذين سقط الكثير منهم لحماية الارض والدفاع عنها؟»
يقال (ان الزيادة كالنقصان في معظم الاحيان)، ويبدو ان زيادة عدد الشيوخ بعد 2003 أثرت عكسيا على قيم (الشيخة)، فهم يتجمعون بالآلاف في المناسبات ويلقي بعضهم الخطب الحماسية وينثر الوعود وكل مايقدمونه هو أصوات انتخابية لبعض السياسيين، وبالطبع تجمعهم مصالح مشتركة.