وقفة خاصة مع قصتان قصيرتان
من دلالة التطابق إلى دلالة الايحاء
قصة (تحليقة موهومة) …
في قصة (تحليقة موهومة) للقاص الصديق عبد الكريم حسن مراد المنشورة في صحيفة الزمان (العدد 3247/2009) يؤدي السرد وسيلة تشكيل المادة الحكائية ، فالتركيب الحكائي المتخيل في قصة القاص شديد الاهمية وهو يندرج بموجب علاقة تفاعلية وتبادلية ما بين شخصية السارد وصوت القاص الذي يقوم بنقل وظيفة السرد ، الا اننا نلاحظ في الوقت نفسه بان المادة الحكائية ذات طبيعة خطابية فرضتها انظمة التخيل السردي لدى القاص ، فالسرد في قصة (تحليقة موهومة) ذا وظيفة تمثيلية ، يكتسب ويعيد تركيب الاشياء ، ثم يخلق ويعيد تخليق النصوص ، ان قصة القاص لربما تبدو من جهة مركزية ، سلسلة متداخلة من عناصر البناء الحكائي الذي يعتمد في المقام الاول اسلوب التداعي والفضاءت الحلمية ، ليجعل منه القاص انفتاحا في تضاعيف بنية السرد . من ناحية اخرى نلاحظ تعدد مكونات الحكي وانفتاحها بموجب نصية شبه ايهامية ، أي ان القاص عندما يحاول ان يذكر حدثا ما فانه يصولر ذلك الحدث بموجب ادوات لغة سردية قريبة بوصفيتها ولغتها من لغة القصيدة 🙁 فمدن جسدي لاتعيش لحظات دفئها امي غادرتني في ليلة باردة وانا اغفو ثملا بين احضان بلقيس / وانا اتخيل وجه صديقي الان وهو يغفو على احلام وردية..) اننا نلاحظ بان قصة القاص هي جنس كتابي دقيق ، يدون حياة القاص من خلال علاقاته الشخصية التي يعيشها في الواقع اليومي ، ثم يقوم بعد ذلك بصياغتها إلى تفاعل سردي حر ، الا ان هذا العمل بحد ذاته ، لايمنعنا من اعتبار قصة القاص ، جهدا ادبيا يستحق منا التامل والبحث ، حيث تبقى قيمة القصة بموضوعها الفني الجميل وبافكارها في تمثيل وتحديد تجربة قصصية مؤثرة في ابعادها الانسانية.. في قصة (تحليقة موهومة) نجد انفسنا اما كتابة تحاول استعادة تجارب يومية هموم شخصية ادبية ، عاشت مرارة الاحساس بالحب لاول مرة ، ولايخفى على القارئ اليقظ معرفة اسرار علاقة كاتب القصة بصوت سارده ، ان النموذج الموجود في داخل النص لربما هو القاص نفسه او لربما ايضا هي شخصية قريبة من عالم القاص ، فيحاكيهدونما خضوع تام ، مع بروز الفارق الرئيس ما بين شخصية الكاتب وسلوك السارد . واستنادا على هذا التصور ، يمكننا القول بان قصة القاص تستند إلى حدوس تصويرية القاص ولكن لاتستند إلى انتاجية معرفية القاص في اختزالية القص وملء االعلامة السردية عبر وجهها المرئي في بناء قصدية الايحاء ، فعندما ينحاز القاص اولا إلى تصوير دقائق حياة شخصية تقليدية داخل سياق لغوي مبرمج ، فان هذا لربما يعد بحدود عملية (الة التصوير) التي تقوم بالتقاط الصور بطريقة ميكانيكية ، وعلى هذا فالقدرة هنا والمهارة تعود للاصابع التي تحرك زر الكاميرا وليس للكاميرا ، من هنا فقط لربما
سوف اوضح للقاص العزيز بان الخلل الفني الوحيد في كتابة قصة (تحليقة موهومة) هو في كونك قد رميت العبء الثقيل على عاتق السارد ، هذا السارد الذي هو القاص نفسه وليس القاص نفسه في الوقت نفسه ؟ ومن ناحية اخرى سوف اقوم بتسجيلها لصالح النص ، وهي قيام القاص- دون الاخذ في الاعتبار الاختلاف الكبير بين وحدات السرد – نحو نوع من انجاح المروي السردي في تمثيل عالم حكائي متخيل ذي كفاءة تعبيرية وايحائية ، انه لربما نوع من (التهجين السردي) بين نظامين متباينين قد افلح القاص في دمجه ضمن صورة المختزل العام للنص ، وعلى هذا النحو ، نجد ان قصة (تحليقة موهومة) عبارة عن وظيفة تمثيلية لمجريات محاكاة فضاء الواقع وتلقائية اداء السارد.
قصة (ليل التفاحة)
في قصة (ليلة التفاحة) للقاصة اطياف ابراهيم المنشورة في صحيفة الزمان (العدد 3247 /2009) يبدو مطابقة لوظيفة قصة (تحليقة موهومة) فالقاصة في احداث قصتها تجري السرد من خلال ضمير المتكلم ، الا اننا نجد ان احداث ووقائع القصة كما لو كانت تجري من داخل لسان (شرنقة حلمية) تستجيب للحدث الخارجي بصعوبة كبيرة كما لو كانت القاصة محاصرة داخل (قارورة زجاجية) 🙁 الليل طويل .. قوافل الليل تنوء من حولي .. استيقظ فجاة على نسائمها .. يتراءى لي شيئا يتحرك بينما البرد يتسلل إلى جسدي الذي دفنته بلحاف عرسي ..) ان بعض من اشارات القاصة توحي بكون بطلة قصتها قد كانت في السابق متزوجة ، الا ان ما يسايرنا من احداث القصة ، يوحي الينا بان بطلة القصة انسانة على مشاعر رقيقة جدا ، حيث انها تغلف بعض من المسميات الجنسية برموز تغليفية وغطائية مكشوفة 🙁 معاهدة ازلية بين ادم وحواء جعلت حواء تبحث في الرجل عن ذكوريته ، وان وجتها وهذا غالبا ما تلف حوله لتتاكد ان ذكوريته فيها رجولة ..) ربما قد لاتعرف (اطياف ابراهيم) شيئا ما بشان عوالم فن كتابة القصة القصيرة ، لذلك اتخذت من هذا الفن وسيلة سرانية في ترجمة رغباتها المكبوتة ، او لعلها لم تمنح لذائقتها مجالا كافيا من الاطلاع حول هموم وتقنيات فن القص القصيرة ، وعلى هذا نلاحظ بان الكتابة القصصية في قصة القاصة قد جاءتنا عبارة عن رسائل و (صور اباحية) خاصة بعالم اوراق (امراة شبقة) او انها تحاول ان تجيد الاعلان او الاثارة عن نفسها وعن كتابتها التي قد جعلت منها مسلكا صعبا في تلمس الكتابة عن ذاتها المحاصرة 🙁 لم احب الليل التفاحة .. يطالعها كل ليلة نائمة وحيدة لكن ليس بعزلة عن الاخرين .. لفت انتباهها غاية في منتهى الجمال بالنسبة له / تزوجني بعد ان سالني : ماذا تفعلين وحدك .. ؟ / احاول ان لا اكشف تفاحتي .. اخفيها مع تحرش النجوم / ماذا تفعل وانت تغرس ذرات قطراتك النارية التي تشرق فيها نهارات شمسي الغائبة خلف غيمنة كانت تغط بالنوم بدل عني ..) هذا في الواقع كل ما قد عثرنا عليه في عوالم قصة (ليل التفاحة) مجرد يافطات تحمل (لغة الاعضاء) وغناء ولمحات (اناشيد مازوكية) لا تعنى بعالم القصة القصيرة لا من بعيد ولا من قريب ، بل ان كل ما قد وجدناه في متن ومضمون هذه القصة مساير لعملية ترويج (عرض جنسي) مدعومة
بدوافع القاصة الغيبية لغرض الصعود إلى سماء النجومية القصصية .. ان عملية الهروب من الواقع عشرات المرات لربما هو القاسم المشترك الذي يحيط ويغلف اجواء القصتان (تحليقة موهومة / ليل التفاحة) هذا الفعل الذي يستحوذ على فضاء القصتان بصورة الاستخدام الرمزي للجنس ، حتى بات يشكل محور (الموقف النفساني) المسيطر على صراعات ووشائج ابطال هاتان القصتان .
(الخلق الحلمي : التكوين اللاشعوري)
وعبرعملية الخلق الحلمي يقدم لنا القاص عبد الكريم حسن مراد شخصية بطل قصته الي يشكل ويتقمص صوت الكاتب نفسه 🙁 في زحمة الشارع لمحتها تخطو حاملة حقيبتها التي كانت تغفو بين طياتها المفتوحة وردتان حمراوان مضيفة للون ثوبها الارجواني لمسة جميلة../ بخطواته البطيئة يخترق المكان .. يقف . يسير . يحدق في الوجوه المشتتة هنا وهناك ../ يشعر بمراقبتي لحركاته يتدارك نفسه يقطع خطوط مراقبتي يسالني عنها ../ يقرا يتمعن ثم يتوغل بين سطور قصتها ../ نظراتي متشوقة لاحتضان جسدك المفعم برائحة طيبة ../ اقدم لك خطيبتي وفوجئ هو بما نطقته امامه../ فعفوا سيدي لم اكن ادرك حين اخبرتك بحقيقة ذلك الرجل ../ صورة زيتية لعاشقين يقفان على الرصيف في محطة قطار مغادر ..) ولعل اهم الاشياء التي تميز احداث وشصية بطل قصة عبد الكريم مراد هو ذلك الاتصاف الانطلاقي في (التكوين اللاشعوري – الحلمي) لقد خلق القاص صورة هذه الحبيبة في نسيج احداث قصته بدوافع لا شعورية تتعلق بموقفه السلبي من (العاطفة / تكوين الاسرة / الحبيبة المفقودة / صورة الاب / الحياة والاصدقاء / ثيمة شخصية المنافس..) فهذه الاشياء بذاتها تلعب دورا محوريا بمشاعر القاص ازاء الطرف الاخر ، مثلما كان يحمل القاص نفسه مشاعر الغيرة تجاه ذلك الخصم الغامض من احداث القصة.. ان عبد الكريم حسن دائما ميالا وفي كل قصصه لصنع شخصية المنافس ، يبقى الموقف الاخر المهم يتمثل بشخصية بطلة قصة (ليل التفاحة) ، فهذه الشخصية القصصي تعاني هي الاخرى من ذات تلك الرغبات الشريرة في فعل دوافعها اللاشعورية مع صراعها مع ذلك (الليل الطويل..) هذا المنطق في تعليل المواقف لدى القاصة هو بمثابة شطحة من شخصية فنتازية تلاحقها سلسلة من التفسيرات الشبقية والعاطفية في معاينة صور (ادم وحواء / يراقب هيجان ما / اصابعي لها دور ايجابي لمحاولاتي الاغرائية..) ثم تبين لنا اطياف ابراهيم بعد ذلك شرود الوظيفة الرمزية والنفسانية ومدى دورها في شخصية بطلة قصتها 🙁 نضجت تفاحتها نضوج امراة لم تلمس الا من قبل الليل الطويل..) من المعروف في عالم النقد القصصي ان القاص هو دائما صاحب الرؤيا حيث يبقى هو من يحدد كيف يكتب مصائر شخوصه .. لقد قدمت القاصة اطياف ابراهيم بطلة قصة (ليل التفاحة) بلمحات لاشعورية مكثفة ، حيث انها قد جعلت من بطلة قصتها لسانا مباشرا يلخص عنها مراحل صراعية حبلى بهموم الذات والعاطفة والبرزخ الشبقي لانثى صاخبة في اشاعة غرائزها الضمنية والمعلنة حيث ذلك (الليل الطويل) ونشوة حلم الفتاة التي قد اصبحت نقطة متلاشية في اقصى (سقف الانوثة) والرغبات غير المتكاملة ، ولعلها من جهة لربما سوف تنقذها احيانا من وجع صور الواقع المعلقة بمنأى عن احلام (اطياف ابراهيم) التي
غدت لقراها في هذه القصة (ليل التفاحة) اشبه بما لو كانت (شريط فلم اباحي) تحاول من خلاله القاصة اسقاط المزيد من رغبات القراء بطريقة نجومية موقرة .. ولعلي انا شخصيا قد لاادين القاصة في بعض اجزاء قصتها ، لان احلام الكتابة لربما احيانا هي خير مراة لتدوين (وجه الكاتب) من مراة تفاصيل الواقع ووجه الكاتب نفسه .. وبهذا لعلنا قد لانخالف القاصة العزيزة عندما تصور لنا صور احلام انوثتها المعطبة بصور ولوحات قصصية هي اقرب لكوامن نفسها ولــ ( الخلق الحلمي..التكوين اللاشعوري) ..
(من دلالة التطابق إلى دلالة الايحاء)
لقد حاولنا في حديثنا عن زمن (الخلق الحلمي) ابراز التمفصلات اللاشعورية الكبرى في قصة (تحليقة موهومة) وقصة (ليل التفاحة) كما حاولنا من خلال ذلك توضيح كون تلك التوزيعية النفسانية في السرد بقادرة على صنع وظائف الدلالات الاعتباطية لدى وظيفة القاص ، وقد انتهينا في تحليلنا هذا إلى الكشف عن بؤرة الهوية السردية التي تسهم في تعميق طابع وطبيعة الخطاب القصصي .. كما وتبدو لنا هاتان القصتان من جهة هامة تشكل مع بعضهما وحدة سردية مشتركة في صنع (دلالة التطابق .. دلالة الايحاء) ومن خلال ربطهما من خلال موقع سردي مشترك ، نلاحظ توفر كل منهما على خطاب دلالي مشترك في سياقية السرد القصصي .. ففي قصة ( تحليقة موهومة) يبدو لنا الربط بين الموقع والمقطع بات متشابها ومتطابقا مع الوحدة السردية والوحدة التركيزية في البعد الايحائي والمضموني لقصة (ليل التفاحة) وعلى هذا الاستنتاج لعلنا نخمن بان القصتان قابلة للعلاقات الدلالية المتعددة في تقسيمية الوحدة المدلولية ، ويبدو لنا من جهة اذا قمنا بالتمعن في مجريات الخط المضموني للقصتان ، فاننا حتما سوف نعثر على لحظة انجاز بنية (دلالة التطابق .. دلالة الايحاء ومن خلال هذه الصور الدلالية المشتركة ما بين قصة (تحليقة موهومة) وقصة (ليل التفاحة) تتضح لنا خصوصية التاليف المشتركة ما بين هذان القاصان ( عبد الكريم حسن مراد / اطياف ابراهيم) حيث تتضح لنا ايضا هيمنة الترتيب في ( الخلق الحلمي .. التكوين اللاشعوري) على مستوى ما من العلاقة ما بين المادة السردية والتعاطي الحكائي في صيغة بعض من الادوات القصصي التي تجعل من القصة القصيرة تاخذ شكلا زمنيا خالصا في علاقة تقديم دلالة خاصة ومتميزة في زمنية الارجاعات الاحالية والداخلية وبأهم خصائص خاصية الخطاب القصصي المؤثر…