23 نوفمبر، 2024 6:50 ص
Search
Close this search box.

مقارنة العقلية القابعة في بغداد بمثيلتها في انقرة ازاء الموضوع الكوردي

مقارنة العقلية القابعة في بغداد بمثيلتها في انقرة ازاء الموضوع الكوردي

ما حققه الكورد في الانتخابات التركية الاخيرة يعتبر انتصارا كبيرا يمهد وبشكل واضح لعصر جديد يعصف بالثوابت السياسية التي كانت سائدة في المنطقة الى وقت قريب . ففي الوقت الذي مازالت فيه عملية السلام تراوح مكانها بين حزب العمال الكوردستاني وحكومة انقرة استطاع الحزب المشاركة في الانتخابات التركية بشكل رسمي من خلال حزب الشعوب الديمقراطي مختزلا مراحل عديدة وفارضا نفسه بقوة على الحياة السياسية في تركيا . و اصبحنا بذلك امام مشهد سياسي نادر يتمثل بوجود حزب يقبع مؤسسه في السجون التركية , له جناح عسكري قاتل الجيش التركي لعقود من الزمن , اسس جناحا سياسيا يتهيأ الان للدخول الى البرلمان التركي . وبالطبع فان هذا المشهد ليس وليد الصدفة ولا هو هبة او صدقة من حكومة اردوغان بل هي نتيجة حتمية للتضحيات الكثيرة التي بذلها الشعب الكوردي في كوردستان الشمالية ( كوردستان تركيا) اجبرت الحكومة التركية القبول بهذا الوضع .

وبالوقوف امام المشهد الكوردي في تركيا نطالع مشهدا اخر في الطرف الاخر من الحدود العراقية التركية في كوردستان العراق (كوردستان الجنوبية) , بما تمتلكه من تجربة طويلة في الكفاح والنضال بدات في النصف الاول من القرن الماضي وانتهت بعلاقة فدرالية فرضتها ايضا التضيحات الجسام التي قدمها كورد العراق والمتغيرات التي طرات على الوضع العراقي بعد غزو الكويت في نهايات القرن الماضي . ورغم ان كورد العراق قد وصلوا الى مراحل متقدمة في طريق تحقيق اهدافهم المشروعة , الا اننا كنا وما نزال نؤمن بان كورد تركيا سيحققون ما يصبون اليه في فترة اقصر نسبيا من اشقائهم في العراق , لاختلاف العقلية السياسية التي تحكم تركيا عن العقلية السياسية التي تحكم بغداد والتي تتصف بتعقيدات مركبة في بنيتها وذلك اعتمادا على النقاط التالية : –

1- رغم السقف العالي لمطالب الثورة الكوردية في تركيا والتي كانت تتلخص في استقلال الاجزاء الاربعة من كوردستان مقارنة بالاهداف المعتدلة للثورة الكوردية في العراق والتي كانت تسعى الى الحكم الذاتي لكوردستان العراق ضمن عراق ديمقراطي .. الا ان القمع الذي تعرضت اليه الثورة الكوردية في العراق لم تتعرض اليه شقيقتها في تركيا .

2- منحنى التطرف والقمع القومي في البلدين كان متعاكسا تماما , فقد تاسس العراق الملكي في عشرينات القرن الماضي على مبدء الاخاء بين القوميتين الكوردية والقومية , ثم ارتفعت بعد ذلك وتيرة العنصرية القومية بتعاقب الحكومات في بغداد حتى وصلت الى اقصى درجاتها اثناء حكم البعث , بينما كان الطرح العنصري القومي في تركيا على اشده في بدايات تاسيس تركيا الجديدة , فمنعت تركيا الكورد من التمتع بابسط حقوقهم القومية وهي اللغة , ثم ما لبثت هذه السطوة القومية ان تضعف شيئا فشيئا الى ان وصلت تركيا اليوم الى مرحلة جديدة يستطيع فيها الكورد العيش على قدم المساواة مع الترك .

3- رغم القمع الذي مارسته الانظمة التركية ضد الكورد الا ان ذلك لم يمنع وصول الكورد الى مناصب حساسة في الدولة ( شرط ان لا يتبنى افكار قوميتة ) , بينما تنقل العراق بين مختلف انواع الدكتاتوريات منذ تاسيسه وليومنا هذا .. من دكتاتورية

فردية الى قومية وانتهاءا بدكتاتورية مذهبية اشتركت كلها رغم اختلافها بمنع الطرف الاخر من الوصول الى مناصب حساسة مؤثرة .

4- مع ان الحرب بين الدولة التركية وحزب العمال الكوردستاني كانت تدخل احيانا ضمن مسمى حرب المدن الذي كان يذهب جراءه الكثير من المدنيين في الطرفين , الا ان السلطات التركية المتعاقبة رغم سلبياتها لم تنجر الى ممارسة مبدأ العقاب الجماعي كما فعلت الحكومات العراقية ضد المدنيين الكورد العزل . فلم تقم تركيا بانفلة كوردها , ولم تستخدم اسلحة دمار شامل ضدهم ولا فرضت حصارا اقتصاديا عليهم ولا حتى ترحيلهم من مناطقهم مثلما فعلت الحكومات العراقية .

5- رغم ان السلطات التركية وضعت حزب العمال الكوردستاني ضمن قائمة الجماعات الارهابية ونجحت في الضغط على امريكا ودولا اخرى لتحذو حذوها , الا ان ذلك لم يمنعها من فتح باب الحوار مع الحزب عندما رات ان الحاجة تدعو الى ذلك . وان كانت عملية السلام لا تزال تراوح مكانها , الا انها ما زالت مستمرة . في الوقت الذي فشلت فيه جميع المفاوضات التي جرت بين الحكومات العراقية والاحزاب الكوردية . فالمفاوضات حسب وجهة النظر العراقية لم تكن سوى محاولات للاستفادة من الوقت و ترسيخ دعائم الحكومات العراقية الجديدة ثم ما تلبث ان ترتد عن جميع ما اتفق عليه وتبدء بمحاربة الكورد من جديد .

6- هناك نقطة فارقة تميز الطرف التركي عن مثيله العراقي , فتركيا لم تمارس التقية السياسية في تعاملها مع الملف الكوردي , فطرحها الشوفيني كان واضحا لم تحاول التستر عليه يوما ,بينما مارست الحكومات العراقيه المتعاقبة التقية السياسية مع الطرف الكوردي ظاهرا وتتعامل بخلافه واقعا .

7- حاليا ورغم العلاقة الفدرالية بين بغداد واربيل والتي فرضها واقع الحال على الحكومة العراقية الا ان بغداد ( التي يفترض ان تكون مثالا للشراكة الوطنية ) تتحين الفرص للانقضاض على التجربة الكوردية هذه , وسحب البساط من تحت ارجلها. فمنذ بدء العملية السياسية ولغاية يومنا هذا لم يخلو يوم سياسي دون تامر من قبل بغداد على حكومة الاقليم في اربيل , وكيل الاتهامات جزافا على هذه التجربة الواعدة لا لشيء سوى لان الساسة القابعين هناك لا يستطيعون التخلص من الارث التاريخي في السيطرة على الاخر والذي اصبح جزءا من الجينات السياسية لديهم سواء كان هذا الاخرمختلفا معه في المذهب او الدين او القومية .

أحدث المقالات

أحدث المقالات