لاشك في إن الإنسان هو المحور الوحيد الذي يدور حوله تطور المجتمع ومن ثم تطور الحضارة الإنسانية بصورة عامة فضلا عن القوانين الحتمية الطبيعية والإنسانية, وإن جميع البشر يعيشون غرائزهم الدينية والقومية واللغوية وكل منهم متعلق على ما عنده من أفكار حول الوجود, فليس من الصعب على من يروم معرفة حال الثقافة من الإطلاع على أوضاع المجتمع الذي تكونت في رحمه , وترعرعت في بيئته وتبعت مسارات حراكه وعكست تقلبات إرهاصاته من مرونة أو تصلب قيمي في منظومته الفكرية والثقافية ..
ما تشهده الحياة المعاصرة اليوم من أزمات حضارية أنتجتها الحروب الداعشية الصهيونية هي في حقيقتها صراع دامي بين الشكل والمضمون وقد بلغ هذا الصراع أعمق مظاهر الحياة وأكثرها اتصالا بشخصية الفرد بحيث تحولت العلاقات الإنسانية تحت وطأة مشكلات الحضارة الغربية وجنوب شرق آسيا واليابان إلى نمطين من العلاقات أحداهما تدعى (المخاللة) , والنمط الآخر(البغاء) والذي اجتاح الحضارات الشرقية كالزلزال بوسائل التكنلولجيا المباحة في أسواق العولمة الاستعمارية بحيث حولت معظم العلاقات الإنسانية إلا علاقات مؤقتة لا توفر إلا إشباعا غريزيا بهيميا منافية تماما للروابط القيمية الإنسانية , لذلك فإن الحياة المعاصرة التي يسيطر عليها (الاستبداد) لا تقيم وزنا لجوهر الإنسانية ومضمون الإنسان الطبيعي , وظهور الاغتراب كرد فعل اجتماعي سلبي لنظام الحكم غير الطبيعي الذي يكون الإحساس لتغير سير حضارة الإنسان وتحولها من الألفة والمحبة والتعارف والتعاون والسلم على النقرة والبغض والأنانية علما إن العلاقة الطبيعية بين الإنسان والمجتمع هي علاقة جدلية بناءة في ظروف الحرية الموجهة لبناء حضارة إنسانية شاملة ..
ما وصلت إليه البلدان العربية اليوم من أزمات , تمثل جزأ لا يتجزأ من ذلك (الصراع الحضاري الهوياتي على السلطة ) بسيناريو وحوار تركي قديم أستحدث مجددا من تأليف إسرائيلي وإخراج أميركي .. وبمنتجة المملكة السعودية البغيضة الفاقدة لذاتها كثيرا والمغتربة في أحضان أمريكا وأخواتها …
ويتخذ هذا الصراع هويات عديدة منها ..
سني – شيعي عربي – صفوي
منذ القدم تستخدم هذه النزعة الهوياتية بصفتها عرف سياسي غير مستند على غطاء دستوري أو قانوني وتعد الطائفية أحدى وسائل الحكم الأساسية التي تستخدمها الدولة لإخضاع الأغلبية واحتكار السلطة , منذ العهد العثماني إلى يومنا هذا , و قد توجت الطائفية على يد الحكومات العربية الاستعمارية في القرون الماضية, كما حدث ذلك في العراق بعد تغيير نظام الحكم في العراق 2003 . انقلبت القاعدة وتغيرت موازين السلطة فالجميع شركاء في الحكم وفق الاستحقاقات الانتخابية حيث أقتضى حكم أغلب الأصوات أن تكن رئاسة الحكومة شيعية , مما أثار ذلك الذعر في النفوس الصدامية الذين يسكنون غالبيتهم المناطق الغربية , لذلك كونوا أرضا فوضوية هشة هناك لاستقبال مشروع الإسقاط الحكومي والتقسيم الإقليمي للسعودية وحلفائها ,فهم أيضا يتجرعون الأمرين من هذا المرسوم الانتخابي الجديد لأنه سيكبل مشاريعهم ويحد من مصالحهم في العراق , لذلك هبوا معا بكل ما أوتوا من قوة ليطلقوا المؤامرة ويشدوا الصراع …لكن هذه المشكلة قد أخذت أبعادا أكبر من ذلك وفبركت إلى قضية إقليمية نجدها قد تحولت إلى صراع من نوع عربي- صفوي على اعتبار إن ما يحدث الآن هو جزء من دائرة الصراع التاريخي بين العرب والصوفيين .كما أن غالبية سكان العراق ما يقارب 55% منهم شيعة ,تربطهم امتدادات جغرافية وعقائدية مع إيران الفارسية التي اتخذت من التشيع مذهبا رئيسيا للبلاد , إضافة إلى ما يربط إيران من مصلحة أمن قومي مع سوريا ولبنان ومعبر تجاري مهم مع اليمن من جهة أخرى , فاتخذوا من ذلك ذريعة عوجاء لتمرير سياسة التعجيم والتشكيك بالنسب الشيعي كل من يوالي المذهب الشيعي هو فارسي وعميل لإيران إن كان ذلك حكومة أو شعبا, فشن العدوان حسب تقديرهم على تلك الدول إنما فيه شفاءً لغلهم من تشيع إيران …
عربي – كردي عربي- تركي
يعيش الكرد كأقلية قومية في العراق وسوريا وإيران وتركيا بصحة وعافية مع المكون العربي ولديهم كيانهم المستقل , لكن مشروع التقسيم الصهيوني حال دون ذلك, فقرع طبول الانفصال وإنشاء دويلات منفصلة عن دولهم عبر الكذب على الشعوب وخداعها بأغاني الاستقلال وشعارات الحرية وزرع وخلق التنافر والاختلاف وعدم الثقة بين المكونات السياسية وتوظيف دور الإسلام السياسي لاسيما والديمقراطية عندما تمارس في مثل تلك الظروف فأنها تؤثر على التيارات الإسلامية والسياسية بحيث تشتتها إلى ألوان وأطياف مختلفة مما يعكس فاعلية مؤثرة على الرأي العام الوطني مما يتيح فرصة ذهبية للإرادات الخارجية الطامعة لتنفيذ مخططاتها من خلال استغلال تلك العقول الجمعية المشتتة وتوجيهها نحو تحقيق أهدافهم , وقد ساهم التيار السلفي التركي الملوث بحفاوة عبر الحدود الكردية في الحرب ضد العراق والشام فقد فتح أبوابه على مصراعيها لتدفق الإرهابيين عازمين على ذبح حضارة وادي الرافدين وبلاد الشام من الوريد إلى الوريد وامتصاص عروقهم الثقافية والعقائدية عبر تدمير البنى الحضارية التحتية فيها وسرقة المقتنيات الأثرية كما حدث في الموصل وتدمر مقتصرين ذلك بفيديو صغير يعرض على وسائل الإعلام يظهر فيه تكسير وتحطيم بعض القطع الأثرية المزيفة في حين الحقيقة ستثبت إنها مهربة إلى تكريا وإسرائيل وبعض بلدان أوربا وستكشف الأيام القادمة عن ذلك …
عربي- أمريكي فارسي – أمريكي
وفي أوج الصدام الحضاري مابين الشرق والغرب استنسخت أمريكا صور مشوهة لا سلم لها لتخوض عنهم حروب ميدانية ضد بلدان الشرق أوسط المستقلة لإستباحة ممتلكاتها الحضارية وثرواتها الطبيعية , لكن ظهور قوة إيران العسكرية بفضل تقدمها النووي أصبحت تشكل تهديدا مباشرا على مصالح أميركا وحلفائها في المنطقة العربية مما شد من حزم قوة ذلك الصراع إلى أن التقيا بمنتصف العراق فلا تسوية مع إيران بدون تخفيض التخصيب ولا تسوية مع أمريكا بدون رفع العقوبات سباق ماروثوني نووي دبلوماسي ظاهريا وعسكري داخليا..
سواء بسواء فالجميع خاسر في الحروب إلا وجه الوطن باقي بفضل دماء أبناءه الزكية وأرواحهم الأبية وعزائمهم الوفية, فلا وجه لمجتمع إنساني في ظل الخضوع للهيمنة الغربية وإن العنف لا يولد عدالة العنف يولد عنف , كما إن صنع القرار في الأنظمة العربية يعتمد على الفرد فهي عجزت عن تحديد أهدافها ومعرفة أعدائها خطاباتها عربية إسلامية وأفعالها تعمل على استمرار حكم الاستعمار الغربي والهيمنة الأمريكية … . لما تحتمه عليهم بشكل أساسي مصلحة حليفهم الإستراتيجي الكبير إسرائيل التي تريد أن تطأ أرض العراق والشام لكبح جامح شهوات إيران النووية ورصد تحركاتهم الجيوسياسية نحو بلدان الشرق الأوسط . ولتتمة تلك المؤامرة إلا بتأجيج الفتن والترويج لشعارات الحرب الأهلية , وإثارة الفوضى مرة أخرى من خلال العمل على تفتيت الوحدة الوطنية لإعادة هيئة السلطة إلى سابق عهدها وبصيغة التمذهب والعمالة , لان دول مستقلة منتعشة اقتصاديا ذات سيادة يعني ذلك ذبح للمصالح الاستعمارية من الوريد إلى الوريد..
أخيرا علينا أن نبدأ بالإصلاح المجتمعي للخروج من الأزمة عبر ممارسة الدور الوطني الصالح لأجل ذلك , عبر إشاعة ثقافة السلم الأهلي التي تقع على كاهل المرأة لعمل ذلك يجب أن تكن جزءا من الصراع لتمكين من المشاركة في الحل لتفهم الوضع الأمني وإن كان لا يسمح لها فعليها برصد الانتهاكات , بالكلام , الإغاثة ..المرأة في حالة عزلة لا تتمكن من التنبؤ غير مؤهلة ولا نريد لها أن تأخذ حالة الديكور للمؤسسات الغربية أو الإعلامية , كما يجب علينا ترسيخ روح المواطنة الصالح وزرع بذورها من جديد في براثين الطفولة وتبني مبدأ إن الوطن هو الرب المقدس وحده لا شريك له مهما اختلفت المصالح عليه وتكالبت الظروف ضده , كما ونحن بأمس الحاجة الآن إلى تشكيل وإنشاء حركة جهادية تقاوم الهيمنة الأمريكية وتحرر القدس وتحرر الشعوب المغصوبة من دنس الإرهاب الصهيوني الفاسد … (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره )