تعتبر شريحة الشباب من أهم شرائح المجتمع على الاطلاق حيث تعد فعلا عماد الوطن والمناط بها مسئولية النهوض بتنميته وقيادته نحو التقدم والازدهار فهم أمل الحاضر وحلم المستقبل لانهم مصدر الطاقة والحيوية والنشاط والقوة والتجدد وبدونهم نستطيع القول بان لا وطن .
ومن هنا يمكننا فهم الواقع العراقي المأساوي والذي أهمل هذه الشريحة الأساسية والتي تشكل نسبة 62% من المجتمع ، حيث يعتبر الشاب العراقي الأتعس اقليميا “ان صح التعبير” فهو الذي قضى أجمل أيام عمره وأكثرها فاعلية بين سنوات الحروب وعقد الحصار ونار الارهاب وجحيم الطائفية وتبعات الفساد وطبعا ذل الاحتلال ليجد نفسه مجردا من الأمل محروما من الحلم فاقدا للارادة محدود القدرات يقضي معظم وقته ويختزل طاقاته بحثا عن لقمة العيش سواء من خلال التعيين الحكومي والذي يقتضي توفر عناصر معادلته المتمثلة بالواسطة + مبلغ من المال أو القبول بالأعمال الحرة ذات الدخل المنخفض أو البطالة والتي فاقت نسبتها 25% حسب التقديرات الحكومية أو حتى الهجرة وبالتالي خسارة البلد لقدرات وطاقات يمكن أن يستفاد منها في هذه المرحلة العصيبة خصوصا مع ضعف القطاع الخاص وعجزه عن استيعاب طلبات العمل .
ان الوضع المزري للشاب العراقي والذي يرى نظرائه في الخليج بعين الحسرة تارة والحقد تارة أخرى يمثل الوضع الملائم للجماعات المسلحة والتي باتت تطرح نفسها كبديل مادي ومعنوي قوي عن هذه الحياة التعيسة فتمكنت فعلا من تجنيد الكثير من الشباب والتلاعب بعقولهم وتغيير أفكارهم فأتجه الكثير منهم للمنحى الطائفي ابتداءا والذي يفتح الباب بدوره للتطرف ممهد الطريق للارهاب انتهاءا ومن هنا ندرك حجم الخسارة الكبيرة التي مني بها المجتمع وهو يرى عاجزا تحول قواه الحية والدماء المتجددة والعقول النشطة لسكاكين تمزق خاصرته الهشة ، في المقابل لجأ بعض الشباب للنقيض السيء أيضا والمتمثل بالادمان على الكحول والمخدرات بأنواعها مع انتشار
مرعب للأفكار الالحادية كرد فعل على الجرائم التي ترتكب بأسم الدين والطائفة لتكون الحصيلة خسارة جيل بأكمله .
ان طموحات الشاب العراقي بسيطة جدا فهي لاتتجاوز فرصة عمل مناسبة تتيح له الزواج وتأسيس الأسرة التي يحلم بها ورغم ذلك فقد أصبحت في ظل هذه الظروف أحلام صعبة المنال ليكون الحرام هو البديل الأسهل في كلتا الحالتين .
ومع كل هذا الواقع المؤسف نجد من يكيل للشباب الاتهامات بالفساد والفشل واللامبالاة وجوابنا ان مثل هذه الحالات ليست عامة وان من يتحدث بهذا المنطق عليه سؤال نفسه أولا عن الظروف التي نشأ فيها هؤلاء والتي هي نتيجة مباشرة لسياسات وأفعال المنتقدين فعلى المستوى العراقي هل صنع الشباب الحروب أم كانوا هم وقودها ؟ أو لعلهم المتسببين بالحصار والذي صادر حقهم بالحياة الحرة الكريمة ؟ أم تراهم كانوا مرحبين بالاحتلال الذي قتلهم وعذبهم وزجهم في سجونه المظلمة ؟ أو كانوا أباطرة الفساد والذين يدفعون ثمنه يوميا من قوتهم وأحلامهم ؟ أو قد يكونوا محرضين على الطائفية والارهاب المتسببين بالفتك بخيرتهم ؟ فيما استخدم البعض منهم كأدوات ( لاعقول مدبرة) في هذه المحرقة مستغلين قلة وعيهم ، ان من تسبب بهذه المأسي ليس من حقه محاسبة غيره وتقييمه ولسنا هنا بصدد الدعوة لصراع الأجيال بقدر ماهو توضيح للحقائق .
لايمكنني نكران عوز الارادة ونقص الثقافة التي يعاني منها شبابنا اليوم والتي لعبت الظروف الراهنة وميزات العصر الحديث دورا كبيرا فيها على مستوى جميع الدول العربية لا العراق فحسب مع التأكيد على ان ملف الشباب العراقي التائه والمحبط بحاجة لوقفة حكومية جادة للاطلاع على مشاكلهم والعمل الجدي على حلها واستثمار هذه الطاقات في خدمة الوطن عبر توظيفها وهو مايتطلب وضع برنامج عمل يحثهم على العمل من أجل الوطن وقيادة المجتمع لا الاكتفاء بالشعارات الفارغة و معالجة أزمة البطالة عبر تنويع مصادر الدخل القومي العراقي وافساح المجال للاستثمارات الأجنبية ودعم القطاع الخاص، ان عدم تفرغ الحكومة لمشاكل هذا القطاع العريض من الشعب يعتبر سببا رئيسيا لكل أزمات البلاد الأقتصادية والاجتماعية والأمنية بل لا نبالغ اذا قلنا بأن حل هذه الأزمات يبدأ من الاعتناء بالشباب مع عدم اغفال الدور الكبير للرياضة والفن والتي يسفه البعض أولها بينما يحرم الأخر ثانيها في النهوض بواقع الشباب ودفعه بأتجاه التأثير والريادة بمختلف مجالات الحياة وايجاد جيل شاب قوي جسديا وراقي فكريا وسليم ذوقيا يضفي الجمالية ويصنع الابداع ويحقق ماهو مطلوب منه في الارتقاء بالوطن من حضيضه والنهوض بالمجتمع من كبوته .
ملاحظة : كتبت هذه السطور في ظل انقطاع التيار الكهربائي (لمحة من المعاناة العراقية).