ذكرنا عدة مرات، إن النظر في التاريخ، وإلامعان فيه، للأستفادة من تجاربه، والاتعاظ بأحداثه، هو منهج قرآني، حيث حث عليه في بعض آياته، تحت ألفاظ (السير في الارض).
لا ريب إن الخدعة، والأشاعة، والحيلة في الحروب، أستخدمت على طول التاريخ، وما يسمى اليوم بالأعلام الحربي، أصبح جزء هام من المنظومة العسكرية في دول العالم، ويدّرس في المعاهد والكليات الحربية، لما له من تأثير نفسي كبير، وإرباك في صفوف العدو، حتى عدّوه نصف المعركة، أو نصف الأنتصار.
أتذكر مرة ان صدام المقبور، زار إحدى القطعات العسكرية الخلفية، وقام بتصوير هذه الزيارة، وأظهرها للرأي العام، على أنه في مدينة المحمرة الإيرانية! ويتمشى في أسواقها!! بعد دخول الجيش العراقي وهزيمة الإيرانيين!
ومنذ فترة قريبة، رأينا دخول قوات الأحتلال الى العراق، ووصولهم بغداد في بضعة أيام، وأنهيار ذلك الجيش الصدامي العرمرم، وكان من أسباب الهزيمة بهذه السرعة، هو الاعلام الحربي، وبألامس شهدنا سقوط الموصل وما تلتها من المحافظات الغربية، على يد أعداد قليلة من داعش، بالرغم من وجود خمس فرق عسكرية، وكانت الإشاعة من الاسباب الرئيسية.
ولو تصاعدنا في أحداث التاريخ، وما شهدته معركة صفين من خدعة المصاحف، بعد ان كان مالك الأشتر، قاب قوسين أو أدنى من قتل معاوية، ولو قتله لما قُتل الحسين( ع) في كربلاء، ولما ما أحدثت هذه الخدعة من تغيير في خارطة التاريخ، وهكذا دوالييك، مثل حادثة ابن زياد مع مسلم بن عقيل( ع)، وغيرها من الوقائع التاريخية.
يروي لنا المؤرخون حادثة، لا أريد أن أفوتها وهي:( أرسل أبو العباس السفاح قواته المسلحة بقيادة محمد بن عبدالله بن علي لقتال العاهل الأموي، مروان الحمار، وألتقى الجيشان قرب الموصل، وكانت رآيات بني العباس تحملها الرجال على الجمال البخت وقد جعل لها بدلا من القنا( خشب الصفصاف والغرب)، فلما رآها مروان ذهل وقال لمن حوله: (( اما ترون رماحهم كأنها النخل غلظا! ! أما ترون أعلامهم فوق هذه الإبل كأنها قطع الغمام السود!! ))، وبينما هو ينظر أليها، وقد طار قلبه رعبا وفزعا…)، وأنتهت بذلك الدولة الأموية التي حكمت بالظلم والجور، بسبب خدعة وحيلة في الحرب.
اليوم في العراق، لا نجد عند القادة العسكريين، حِيّل وخدع في المعارك، بل لا نجد في مؤسستهم العسكرية، إعلام حربي مؤثر وفعّال، بل حتى قنواتنا الفضائية، من يتصدى لأعلام العدو المضاد، ويفضح كذبه وزيفه كما حصل في ناظم الثرثار، وما أكثر هذه القنوات! بل ما نراه العكس من بعضها، تلك التابعة لحزب المالكي، بدل التصدي، تقوم بهجوم إعلامي لتسقيط الحكومة! وكأنّ العبادي ليس من حزب الدعوة أو جآء طارئ عليهم! أو هو من جآء بداعش!!
يجب على قنواتنا الأعلامية الصادقة، أن تغيير من أسلوبها ومنهجها نحو الأفضل والأحسن، وتتعلم من قناة البغدادية، كيف كانت فعّالة ومؤثرة في المجتمع، حتى أنها كانت أحد الأسباب في إقصاء المالكي من السلطة!
وعلى القيادات العسكرية، ان تكون حذرة وواعية، وتتعلم من تجارب التاريخ، وإني لأعجب لماذا لا تستخدم هذه القيادات، نفس سلاح العدو، من الخدع والحِيّل والإشاعة؟ فأنّ الحرب خدعة كما قيل!