تواجه مقدرة العراق على محاربة تنظيم داعش الذي يسيطر على ما يقرب من ثلث اراضي البلاد، تواجه مصاعب جمة نتيجة للازمة المالية التي تضرب البلاد، والتي تركت حكومة بغداد تعمل بمنطق “من يدك الى فمك مباشرة”، حسب وصف مراقبين مطلعين.
ان عدم قدرة البلاد على دفع المرتبات في وقتها للجنود وافراد المليشيات الذين يقاتلون ضد تنظيم داعش انما تؤثر سلبا وبقوة على المعنويات العامة وتعيق تقدم العمليات الرامية الى استعادة المناطق الخاضعة لسيطرة الارهابيين الجهاديين. كما ان اجراءات شد الاحزمة التي تضم تقليص الوزارات يمكن لها ان تزيد من حالة الاحتقان العرقي والتوتر الطائفي بطريقة تخرب توازن القوى القلق اصلا الذي شاع في العراق منذ الغزو الاميركي للبلاد ربيع العام 2003.
في هذا السياق، يعلق السفير العراقي في واشنطن، السيد لقمان الفيلي، قائلا “ان ذلك يعود الى كونك لا ترهن دعمك بشروط مسبقة”، في اشارة منه الى احباط المسؤولين العراقيين ازاء ادارة الرئيس اوباما التي اشترطت اجراء اصلاحات معينة لمواجهة مشكلة الفساد والاحتقان الطائفي التي عبدت الطريق امام احتلال الموصل واجزاء اخرى من العراق، وذلك قبل تقديم هذه الادارة دعمها لبغداد.
يوجه الفيلي الذي ينتمي الى حزب الدعوة، يوجه اصابع اللوم في هذه الازمة الى انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمية، حيث تعتمد الحكومة العراقية على عوائد النفط الخام بما يزيد عن 85% من مواردها رغم ان محللي مجلة السياسة الخارجية يقولون ان الفساد وسوء الادارة التي عصفت بالبلاد خلال العقود الماضية كان لها دور كبير في هذا التدهور.
وقد اعترف الفيلي بخطأ الحكومة مستشهدا باعتمادها المفرط على عوائد النفط وبطئ وتيرة التصدي لمشكلة الموظفين “الفضائيين” الذين لا وجود لهم الا على الورق كي يتمكن مدراءهم من سرقة مرتباتهم وتخصيصاتهم.
في الوقت الراهن، يتركز انفاق البلاد على الشؤون الدفاعية والعسكرية الرامية لإعادة بناء الجيش الذي خلقه ودربه الاميركيون قبل انهياره امام تقدم مليشيات تنظيم داعش المتطرف الذي احتل اجزاء من البلاد العالم الماضي. كما ان حكومة العراق تقوم بذلك بتمويل من ميزانية مبنية على سعر 65 دولارا لبرميل النفط الخام
برغم ان سعره تراجع خلال الاسابيع الماضية الى ما يقرب من الـ40 دولارا. في مقابل هذا الكلام، انهارت اتفاقية مشاركة بالعوائد النفطية ما بين بغداد وحكومة اقليم كردستان الشمال، الامر الذي حرم بغداد من مصدر آخر للنقد كذلك.
يقول المحرر في موقع تقرير النفط العراقي الالكتروني على شبكة الانترنيت، السيد فان هيوفلين، والذي يراقب عن كثب قطاع النفط العراقي، يقول ان السبب الرئيسي للازمة يتمثل في حكومة العراق السابقة التي ادارها نوري المالكي الذي لم يترك اي هامش للمناورة في موضوع اسعار النفط. واضاف ان خلف المالكي، رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي انما قام ببعض الخطوات الجيدة بما في ذلك بعض قطع بعض النفقات بطريقة مؤلمة والبحث عن عوائد مالية خارج القطاع النفطي، غير انه لا يملك سوى فرصة محدودة لحماية العراق من حافة الفشل التي يقف عليها في اي وقت قريب.
في سياق متصل، تحدث مسؤول اميركي رفض الكشف عن هويته لاعتبارات دبلوماسية ودفاعية حساسة، تحدث قائلا ان ادارة الرئيس اوباما زادت من دعمها العسكري للعراق في اعتراف منها بأزمتين كبيرتين تضربان هذا البلد تتمثل اولاهما بوجود تنظيم داعش في العراق والازمة المالية التي تخنق حكومة البلاد نتيجة لانهيار اسعار النفط في الاسواق العالمية.
وقد اقر هذا المسؤول الاميركي قائلا “انه تحد كبير ومتنام في الوقت ذاته بالنسبة للعراقيين الذين يحاربون ضد داعش. الامر الذي دفعنا لوضع الكثير من مواردنا المالية ضمن هذه الحملة.”
ان نفقات التمويل العسكري الخارجي التي تقدمها الولايات المتحدة لشراء اسلحة للدول الاجنبية، والتي خصصت 300 مليون دولار للعراق خلال العام المالي 2014 و150 مليون خلال العام 2015, انما قفزت لتصبح 250 مليون دولار من الطلبات للعام القادم 2016 للعراق لوحده. ومن اللافت ان مسؤولين في الولايات المتحدة اكدوا ان قوات بلادهم ستتبرع ببعض الفائض من المعدات العسكرية الاميركية للعراق، بما في ذلك 300 من المدرعات كاسحة الالغام الاميركية من نوع MRAP.
واضاف المسؤول ذاته قائلا “انهم بحاجة الى الكثير من الاشياء المتنوعة ابتداءا من الاسلحة المضادة للدروع الى كاسحات الالغام وعجلات الهمفي المدرعة والاسلحة والمدرعات الاخرى.”
وحسب المسؤول الاميركي ذاته، فات تكاليف الحكلة الاميركية ضد تنظيم داعش تكلفت حكومة بلاده 3.7 مليار دولار لغاية منتصف شهر آب الماضي، الامر الذي يعني كلفة يومية بحدود 9.9 مليون دولار.
يقول مسؤولون اميركيون ان المنتقدين الذين يعترضون على هذا الانفاق الاميركي العسكري الضخم على واحد من اكثر دول العالم الغنية بالنفط انما يهملون العواقب الاكبر التي يمكن ان تترتب على خسارة العراق لمساحات اكبر لصالح جماعة داعش الارهابية المتطرفة.
ويضيف هؤلاء قائلين “ان بمقدورك ان تنظر لهذه الحرب على انها حرب عراقية وحسب.” لكنه يستدرك قائلا “غير ان تهديد داعش يمثل خطرا على كل المنطقة والمجتمع الدولي. لذلك، فأن من الخطأ الجسيم ان ينظر لهذا الامر على انه مجرد حرب عراقية او سورية وحسب. لقد برهن تنظيم داعش عن مضامين عالمية، فضلا عن ان مجرد وحشية هذا التنظيم تتطلب منا ان نتظافر بجهودنا للعمل سويا من اجل هزيمته. ولذلك كله، لا يجب ان نخصص هذه الحرب على انها حرب عراقية وحسب.”
يعترف الفيلي بأن الولايات المتحدة ساعدت العراق الى جانب مساعدة من المانيا وهولندا التي اسهمت بالأسلحة والمعدات والانظمة المضادة للدروع. لكنه اكد ان مجمل تكاليف العمليات العسكرية تقع على عاتق العراقيين. واضاف ان ذلك لا يتعلق بالجيش النظامي والقوات الامنية وحسب، وانما يتعلق كذلك بالمليشيات الشيعية المعروفة باسم قوات الحشد الشعبي.
واضاف الفيلي “اننا نمول تكاليف القتال الفعلي على الارض بما فيها المرتبات والاسلحة والملابس والمعدات.”
لكن الازمة المالية تعني تأخر مرتبات الجنود لثلاثة اشهر حسب الفيلي الذي قال ان ذلك يسدد ضربة لمعنويات القوات المقاتلة التي تعاني اصلا نتيجة ما حصل من استيلاء تنظيم داعش على مدينة الموصل ثاني اكبر مدن العراق، وتبخر القوات المدافعة عنها العام الماضي.
واضاف الفيلي قائلا “اذا ما اردت جيشا محترفا فعلا، فلابد لك من التعامل مع الامور باحترافية.”
كما ان هنالك الخطر المتمثل بخسارة افواج المتطوعين للقوات شبه النظامية، لاسيما الجماعات الممولة ايرانيا التي تعتبرها الحكومة الاميركية “جماعات خاصة خطرة”. وبحسب الفيلي، فأنه برغم ان هذه المجموعات الخاصة من المليشيات لا تشكل سوى
35000 من افراد قوات الحشد الشعبي الشيعي البالغ عديد افراده 120000، فأن فقدان مصادر القوة البشرية انما سيمثل ضربة لجهود الحكومة الرامية لتأكيد سلطتها على كل الجماعات التي تقاتل ضد تنظيم داعش.
كما اكد الفيلي ان وزير المالية العراقي سيقوم بجولات الى واشنطن ولندن الشهر الحالي على امل بيع سندات حكومية بقيمة 6 مليارات دولار، فيما تتخبط الحكومة العراقية الحالية من اجل تقليص وخفض النفقات في اماكن أخرى، الامر الذي حدى بها الى تقليص بعض المواقع الدبلوماسية في الخارج مع وقف بعض المشاريع الاستثمارية. كما ان العراق حصل للمرة الاولى على تقييم لسمعته ووضعه المالي للمرة الاولى من قبل مؤسسة ستاندارد اند بورز فضلا عن كونه ضمن قرضا من البنك الدولي كذلك.
لكن تقليصات الموازنة الاخرى كانت اكثر اثارة للجدل مثل الغاء وتقليص المناصب التشريفية الكبرى اضافة الى الغاء بعض الوزارات الحكومية. ومن اللافت ان توزيع المناصب على اسس محاصة فئوية وحزبية وعرقية ومذهبية انما كان نمطا سائدا ما بين الجماعات العراقية التي استحوذت على السلطة ما بعد الاطاحة على نظام صدام حسين ابان الغزو الاميركي للبلاد ربيع العام 2003.
برغم ان بعض المحللين متفائلون، وان كان على المدى البعيد، ان التغييرات الجارية في البلاد سوف تلحق بتأثيراتها على نظام الاتباع والموالين السائد في العراق، غير انهم يتفقون ان من شأن خطوات كهذه ان تفاقم من بعض المشاكل التي تتهدد حكومة العبادي الحالية التي تعيش اجواء توتر كبير نتيجة لأجندة الاصلاح التي تروم تطبيقها. وحسب مسؤولين اميركيين ومحللين متخصصين، فأن هذا الكلام يمكن ان يفتح ابوابا اكثر امام الى المتطرفين للإفادة من هذا الوضع المتأزم.
وحسب المحرر فان هيوفلين من موقع تقرير العراق النفطي انه قال “اذا ما كنتم تعتقدون، كما اعتقد، ان مشاكل العراق السياسية العميقة خلقت بيئة مناسبة سمحت بتقدم تنظيم داعش وسيطرته على ثلث البلاد، فأنكم ستعتقدون كذلك بالحاجة الى نوع من التأسيس السياسي لأي حل على المدى البعيد للمشكلة.”
ويختم هيوفلين قائلا “لكن اذا ما كانت طريقتكم بإيجاد الحلول السياسية مبنية على دفع الاموال بغية دفع المشاكل وجمع الفرقاء عبر تقديم الوعود بحصص من كعكة النفط مربحة، اذن فأن قدرتك على حل المشاكل السياسية سوف تتبخر اذا ما انكمشت كعكتك النفطية دون مستوى ملئ افواه الجميع!”.
بقلم حنا علام “موقع سنتر ديلي تايمز”