15 نوفمبر، 2024 6:36 م
Search
Close this search box.

مافيات مذبحة النخيل!

مافيات مذبحة النخيل!

شاهد أحد الامراء فلاحاً يغرس فسيلة نخل، وقد علا الشيب رأسه وتقوس ظهره من الكبر، فوقف عنده قائلاً: أتؤمل أن تأكل ثمر هذا النخل! وهو لا يحمل إلا بعد سنين، وقد فني عمرك؟ فقال له الفلاح الحكيم: أيها الأمير غرسوا فأكلنا، ونغرس فيأكلون، فأندهش الأمير من كلام الفلاح الهرم، وأعطاه ألف دينار فأخذها وقال: ما أعجل ما أثمر هذا النخل!
الحرية سلاح فتاك يستطيع به الإنسان إطلاق ما يدور في عقله، بعيداً عن الصمت المظلم، فأطراف محافظاتنا بدأت تئن ألماً من حملة الإعدامات بحق النخيل، الذي ضربت جذوره في أعماق التأريخ، فنراهم قد مزقوا سعفها المسكون بالحكايات والقصص، وداسوا تمرها الذي كان وجعه يبني الإنسان به أفراحه، وتعلم مقاومة الرياح البعثية العاتية، وهي تحز رقاب النخيل الشامخ في الأهوار الصامدة.
أن تكون لدينا نخلة باسقة مثمرة من لحظة ولادة الأمل والحياة، أفضل من وجود بيت مبني على طريقة المقاول الجشع لا ينفع إلا الساكنين فيه، فالهمجية أن تقطع النخلة وتترك مكانها فحماً أسود في القلب، وقد ذبلت الجباه لرعاية هذه النبتة المباركة، فلم يجع قوم زادهم التمر بأنواعه اللذيذة، وبات الفلاح والحلاج في سعادة لا توصف، فهي عطاء لا ينضب.
حينما نقرأ تأريخ الأجداد والآباء، ندرك أن الاهتمام بزراعة النخيل أمر متوارث عنهم، لأنه غذاء ودواء على حد سواء، وكان يمثل عصب حياتهم في أغلب الأوقات، لكن ما يحدث من قطع لها هو تخريب وقتل بمعنى الكلمة، فبطون المقاولين لا تشبع إلا ببناء جميع البساتين المحيطة بالمدن، فحرمونا فوائد نخيلنا المعطاء، وقصموا ظهر صناعاتنا التراثية، فما أقبح فعلهم وأكثر وزرهم!
رسالة عاجلة الى مافيات القطع والبناء والتجارة، أيها المقاولون: العراق بلد التمور لا تبحثوا عن كنوز حجرية بقتلها، لأنها الكنز الثمين بعينه، وإعملوا على زيادة أعدادها وأصنافها، فهي من أشجار الجنة، ولقد أخذ الطغاة والحروب من جذوعها وجريدها وتمرها ما أخذوا، فمرنوا عقولكم على أن طعامكم دواؤكم، وأملوا جيوبكم خيراً من تجارتها، فذلك النخل من نعم البارئ عز وجل علينا!  
حياة البلد برأي الفلاح المخلص، هي بإستمرار زراعة النخيل، وزيادة رقعة الأراضي الخضراء، وهذا يتطلب جهداً مضاعفاً من قبل المسؤول، لدعم المزارعين بأنواع البذور ذات النوعية الجيدة، وتوفير المياه ومتابعة نمو الفسائل الصغيرة في مساحات منظمة، لتغدو نخيلاً مثمراً في القريب يطيب للناس فيؤها، وتناول تمرها الحلو المنوع، وهذا هو جل ما نتأمله من الحكومة، في أن تحققه لأرض الرافدين!

أحدث المقالات

أحدث المقالات