لا اُخوّة في سياسة اليوم، فمصلحة فرد، أو طائفة أو قومية، طغت على كل مسميات الوطن الواحد، وخيرات هذا الوطن الجريح، كأنها غنائم حربٍ، لمن استطاع إليها سبيلا، ورغيفُ خبزٍ كنا بالأمس القريب نقتسمه بين “إخوتنا” ومن قلنا بصدق انهم أنفسنا، امتدت إليه يد الطائفية مفرقةً أيدينا عنه.
وسياسيونا – إلا من ندر – لا يملكون أدنى شجاعة القول، وقوت الفقراء يباع ويُشرى في مزادات برلمانية سرية، وغرف مغلقة مظلمة.
يعود إنشاء إقليم كردستان بحكمه الذاتي، إلى العام 1970م، باتفاق وهمي لا واقع له، بين حكومة بغداد آنذاك وأطراف المعارضة الكردية، بعد سنوات من الصراع الدامي بينهما، تلتها إنتفاضة آذار 1991م لتنهي بشكل كبير سيطرة حكومة بغداد الإدارية والسياسية على الإقليم، لينعم بعدها بدعم دولي تغلبه الصبغة الأمريكية، أدى في السنوات التي تلتها إلى تطور الإقليم في كافة المجالات، الإقتصادية والسياحية والصناعية والعمرانية، ونموه بشكل ملحوظ.
بالرغم من كل السنوات العجاف التي مرت على الإقليم، وحتى ما تلاها من سنوات الوفرة والخير، وبالرغم من دعوات الإنفصال، ومحاولات خجولة له، ما زال الساسة الكرد يؤمنون بأن مصلحة الإقليم – في الوقت الحاضر على الأقل – تقتضي أن يكون الإقليم ضمن عراق ديمقراطي فيدرالي واحد.
منذ العام 1996م خصصت الأمم المتحدة نسبة 13% من وارد مبيعات النفط العراقي إلى الإقليم، مما أدى إلى ازدهار الإقليم اقتصادياً، بالإضافة إلى أن الإقليم، وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني في زاخو ودهوك، والتي تمثل حلقة الوصل التجاري بين نظام صدام وتركيا حينها، وكان النظام يهرّب النفط العراقي من خلال هذه المدن، بمقابل ذلك يحصل الإقليم على مبالغ كبيرة وضرائب جراء هذه التجارة المشبوهة.
بعد العام 2003م إستمر النهج الكردي – كعادته – في تحقيق مكاسبه الإقتصادية على حساب بقية المكونات الأخرى، مستغلاً التناحر السياسي بين المكون الشيعي والسني على المناصب السياسية في البلاد، ومحاولاً عند كل أزمة بينهما الحصول على مكاسب من الطرفين، حتى يصل به الأمر أحياناً إلى اختلاق الأزمات السياسية في البلاد، من أجل إبقاء الوضع السياسي والإقتصادي المتردي قائماً، من أجل الحصول على تنازلات من الأطراف المشاركة في العملية السياسية، وانعكاساته الإيجابية على الإقليم بشكل عام، وعلى سياسييه بشكل خاص.
وبذا يكون السياسي الكردي، قد أفصح عن حنكةٍ سياسيةٍ و”خُبث”، أوصلته إلى أن يكون جزءاً مهماً في العملية السياسية في العراق، ومحوراً أساسياً لنجاحها أو فشلها، إضافة إلى تخاذل أغلب القوى الأخرى وسعيها خلف مصالحها الشخصية والحزبية، ليكون الخاسر الأوحد في مضمار السياسة هذا هو الشعب العراقي، كعادته.