وهكذا وقع المحظور وحصل ما كنا توقعناه سابقا”ولأكثر من مرة ؛ فالإدارة الأمريكية الغاشمة أسفرت أخيرا”عن وجهها القبيح ، وأظهرت مخالب التوحش التي طالما حاولت إخفائها بطلاء الديمقراطية الزائف . فبعدما حاولت هذه الإدارة اللعوب التعتيم على مواقفها الاستعمارية الرامية إلى تجزئة وتقسيم جغرافية العراق إلى كانتونات عرقية وطائفية متصارعة على أسلاب وطن مستباح المحرمات ومواطن منتهك الإنسانيات ، وتكون لها ، من ثم ، بمثابة كلاب حراسة وضواري افتراس في هذه المنطقة المستعرة ، التي يبدو إن مصيرها كان – ولا يزال – مرهون بالفناء الإنساني والاندثار الحضاري . وهكذا فقد أوعزت إدارة أوباما (المبجل) بإعطاء الضوء الأخضر لمن يعنيهم الأمر في المؤسسات العسكرية والاستخبارية ، للشروع بإخراج ملف التقسيم ووضعه موضع التنفيذ الفعلي عبر إقراره من قبل أعضاء الكونغرس (النشامى) ، الذين جلهم من عتاة مجرمي الحروب وتجار أسلحة الدمار والفتك البشري .
لحد هنا لا جديد تحت الشمس كما يقال ، ذلك لأن العراقيين المغلوبين على أمرهم قد ألفوا سماع هذه المعزوفة الجنائزية للحد الذي أصيبوا جرائها بالقرف والغثيان . إنما الجديد على هذه المسألة الخطيرة والمفزعة هو موقف الكتل السياسية العراقية (الغيورة جدا”) ، التي بعد طول تأمل وتدبر بين (الأخيار) و(الأشرار) من العلمانيين ، وأخذ ورد بين (الملائكة) و(الشياطين) من المتدينين ، والذين تفتقت قريحتهم وتمخضت غيرتهم عن دعوة خجولة تتضمن رفض هؤلاء الشجعان (يا سلام !) لهذا المشروع الكارثي . ولزيادة (الجدية) في مثل هذه الأمور المصيرية ، وإظهار (الحرص) المطلوب في مثل هذه القضايا الحساسة ، فقد جرى الإيعاز بتشكيل لجان أربع (ولكن لماذا ؟!) لإشعار الحكومة الأمريكية بعدم موافقة العراقيين على تبني مثل هكذا مشروع ، ومطالبة البيت الأبيض – بالإجماع (تصفيق!)- بالعدول عن المضي بتنفيذ بنوده والشروع بانجاز فقراته !! .
وهكذا يبدو أن السياسيين العراقيين (زعلانين) جدا”على الحليفة الإستراتيجية أمريكا – ملاحظة مهمة : يبدو لي إن هذه هي المرة الأولى في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية أن تقوم واشنطن بترويج مشاريع تقسيم جغرافيات الدول الحليفة . قد تعمل على إسقاط الأنظمة بعد استنفاد دورها واضمحلال أهميتها ، إنما أن تقوم بتجزئة الإقليم الوطني إلى دويلات على أسس عرقية وطائفية ، فهذا ما لم يحدث إلاّ في حالة العراق – حيث جعلتهم يذرفون دموع التماسيح على وحدة العراق الهشة ، التي لا مناص من أن يعرضها هذا المشروع إلى التفكك والتشظي ، في الوقت الذي هي – وحدة العراق- بأمس الحاجة إلى من يلملم شعثها ويرمّم تصدعها ويرتّق شقوقها يقوي لحمتها ويشدّ أواصرها ، لاسيما وان قوى الافتراس الظلامية لم تبرح تجوب الديار وتحوم حول الضحية المنتظرة ! .
والآن ما الذي يمكن قوله للساسة العراقيين المسوخ ، حيال انعدام ضمائرهم وفساد سرائرهم والمتاجرة بحرائرهم ! . ألا سحقا”لكم يا جهّال السياسة وخونة الشعب وباعة الوطن ، فهل حقا”أنتم من سلالات البشر ، أم تراكم سقط متاع فصيلة البقر ؟! . هل نسيتم من باع العراق في سوق النخاسة ورضيتم أن يعيش الأحرار في ذلّ النجاسة ؟! . هل خانتكم الذاكرة أم تبلد إحساسكم وغادركم الضمير وتبرأ منكم الشرف ، بحيث نسيتم من كان يصفق للفدراليات ويهلل للمثلثات ؟! – كناية عن المثلث السني – ؟! .
أين أنت يا (مظفر النواب) يا من تعلم عظم المصاب ، فقد عزّ علينا الخطاب ؛
لماذا أنت صامت ؟!
أما زلت على الموقف ثابت ؟!
أم تراك للمشاعر كاظم وكابت ؟!
فالزؤان بات في حقل الكرامة نابت !
فقوارير القوم في الطرقات سابت !
وشرفاء الناس عن قبح المفاسد تغابت !
والآمال العراض في سراة القوم خابت !
ونفوس الأحرار في أمل الإصلاح طابت !
وشعور الولدان من هول المصائب شابت !
يا سيدي إن كائنات العالم السفلي التي هجوتها في شعرك ذات مرة ، وجعلتها أقل شأنا”وأدنى قيمة من حضيرة (خنزير) ، هذه الكائنات الرمامة فاعت من المستنقع مطلقة العنان لنفسها الأمارة بالسوء ، لتمارس رذائل السمسرة علنا”ومجددا”، ولكن هذه المرة لتساوم على شرف (العراق) ، بعدما كانت قد ساومت من قبل جناة الليل الأمريكان والاسرائليين لانتهاك عفة (فلسطين) !! . وإذا كانوا سابقا”قد حملوا (الخناجر) لإسكات صرخات (القدس) عروس العروبة للمداراة على الفضيحة ، انما اليوم يشهرون (الكواتم والعبوات) لإخماد أنفاس (بغداد) عروس العراق للتستر على الجناية !! . مبروك لكم أيها السياسيين العراقيين على هذا العرس المخضب بدماء العفة والشرف !! .