مرة أحد المعلمين الشعراء في مدرستنا مخطوطة تقول : هذا المكان لا يزرع فيه الزعفران ولكن تزرع فيه المواويل والاحزان. ومن يومها تخيلت الزعفران وعطره ، وسمعته مثلا بين الناس على يضرب للشيء الذي يكون مذاقه وعطره طيب ويقولون :مثل رائحة المسك والزعفران . وعندما أسألهم هل رأيتم الزعفران وشاهدوه ووضعتموه على ارز موائدكم .فيكون رد الجميع : كلا .
حتى أمي كانت تشبه فيه طبيخها يوم تريد أن تغري ابي ليأكله بعد مجيئه متعبا من عمله ، فكنت اسألها : أين عطر الزعفران ؟
فترد : عطرهُ في نبضاتِ قلبي وأنا أقف امام القدر أعدُ لكم عشاءكم.
وهكذا بقيَّ الزعفران الخيال السريالي للجمال الذي لا نشمه ولكننا نشعره لأن الاثرياء والملوك وحدهم من يوفروه لموائدهم ، ولكنني نقلت خيال الزعفران الى ليل الاهوار عندما خدمت بعض من جنديتي في منطقة الشهابي على الحدود مع ايران بمحاذاة قضاء بدرة وأمام واد يطلقون عليه وادي ( الزعفران ) ، وكانت سعادتي اني سأتحول في هذا المكان مثل الذين يبحثون عن الذهب في أول سنوات نشأت امريكا وحتما حين أعثر على نبات الزعفران سأكون حصلت على ثروة لأني اعلم أن ما يقرب من 4,000 زهرة يمكن أن تنتج نحو 28 غم من الزعفران.
حيث تنزع المياسم من الزهور المتفتحة، وتجفف في الظل ثم على شبكة رفيعة أو دقيقة على نار هادئة. وهذه المادة لونها أحمر برتقالي وذات رائحة نفاذة وطعم مميز، وتحفظ في أوان محكمة لكي لا تفقد قيمتها كمادة ثمينة. وللزعفران رائحة طيبة ولكن مذاقه مر. يستخدم في الطهي ليكسب الطعام نكهة طيبة، كما يُستخدم في تلوين الحلوى، ويستخدمه الناس في أوروبا والهند لتتبيل أنواع من الطعام.
هكذا هو الزعفران فيما عرفت عنه وقرأت. ولكن الخيبة سكنتني عندما لم أجد أي أثر للزعفران في الوادي الذي يحمل اسمه وطوال ستة شهور وانا ابحث بين الاودية والتلال والعشب حتى مع هطول المطر وظهور الاقحوان الاحمر إلا أن الزعفران لم يظهر ولم اجد سوى اوتاد حقول الالغام والحفر التي خلفتها قذائف مدافع الهاون أو بقايا بدلات ممزقة لجنود كانوا يتجحفلون في هذا المكان القاحل الذي ربما كان في عصر ما مكانا يزرع فيه الزعفران.
ضحك شغاتي وقال لي : لا زعفران في وادي الزعفران فكيف تريده ينبت هنا في ضفاف الاهوار المالحة ؟
قلت : أذن نبقيه خيالا لطعم لم نتذوقه ونفترضه على موائد الطبيخ.
قال شغاتي : لا ينفع ، فالروبة تفقد طعم كل بهارات الرز انها تغني عن أي طعم عندما تمتزج بالرز الشتال . ثم اردف قائلا : دع الزعفران مضرب امثال للعلاقة الطيبة بين البشر . حتى عندما لا نتذوقه ، فلربما المؤمنون منا من تكتب لهم الجنة سيتذوقون هناك في حدائق الله.
شدني عبارته حدائق الله ، وسألته من اين لك هذه العبارة.؟
قال :ذات يوم استاذ ناصر القى بينكم قصيدة عنوانها حدائق الله ، لم افتهم منها اي شيء سوى عنوانها.
تذكرتها وضحكت وقلت نعم : الزعفران متوفر في حدائق الله حتما……….!