تنهض المرأة العراقية بأعباء ثقيلة في المجتمع تفوق ما تقوم به نظيرتها في المجتمعات العربية والأجنبية . ولقد عانت المرأة كثيرا من سطوة التقاليد البالية في العصور المظلمة التي مرت على عراقنا الحبيب فجعلتها رهينة التخلف والجهل والأمية فكان التعليم حراما عليها لأنه مخالف للدين حسب تصوراتهم السابقة مما انعكس سلبا على الأجيال التي تقوم بتربيتها ومع إشراقة أنوار الحضارة تمكنت المرأة العراقية من انتزاع بعض حقوقها المهضومة وأثبتت جدارتها في مجالات الثقافة والتعليم والطب وشتى مجالات الإبداع العلمي والإنساني ولمعت أسماء كبيرة في هذه النواحي فكانت السيدة صبيحة الشيخ داوود أول محامية تقف في ساحات القضاء للدفاع عن العدالة وكانت الشاعرة نازك الملائكة حاملة لواء التجديد في الشعر وأخيرا وليس آخرا مبدعة العراق العالمية زها حديد التي رفعت اسم العراق عاليا في الهندسة المعمارية . إن الحديث عن المرأة العاملة في العراق يقودنا إلى الكشف عن معاناتها في العهود المنصرمة حيث الحروب المدمرة والحصار البغيض الذي أدخل العراقيين في نفق الجوع والفاقة لسنين عديدة فكانت المرأة العراقية شامخة بقيمها ومبادئها فتحملت تلك الأوزار بصلابة نادرة ولو نظرنا إلى الواقع اليومي لحياة المرأة العاملة في دوائر الدولة وأخذنا نموذجا منها فعندما يعود الزوجان العاملان إلى البيت بعد انتهاء الدوام تتجه المرأة إلى المطبخ لإعداد مائدة الغداء الذي كانت قد أكملته في الفجر أو في مساء اليوم الماضي ويسترخي الزوج على الأريكة منتظرا وصول الطعام وبعد الانتهاء من تناوله تلملم المرأة الصحون لغسلها وترتيبها وتتفقد أطفالها وتشرف على استراحتهم في قيلولة قصيرة لتتجه إلى تنظيف البيت وأعداد الشاي ثم تبدأ مرحلة الواجبات المسائية من إعداد العشاء وتحضير ساندويتشات الأطفال للمدرسة وطعام اليوم الثاني للأسرة ومتابعة دروس الأطفال ومستوياتهم العلمية وقد يقوم الأب بمساعدتها في ذلك أو يكتفي بمتابعة برامج التلفاز أو الحاسوب أو الخروج لزيارة أصدقائه .
إن نظرة سريعة إلى هذا البرنامج اليومي الذي يكاد يكون سائدا يكشف لنا حجم معاناة المرأة العراقية وخاصة الأم العاملة فهي مركز الثقل في العائلة وهي القائد الفعلي لكل الفعاليات الأسرية فهي تتخطى دور الرجل وتتحمل مسؤوليات كبيرة قد تجعلها منهكة ومرهقة فتقع في منتصف الطريق ضحية مرض لم تحسب حسابه أول الأمر وتهاونت في علاجه مما أدى إلى استفحاله في النهاية ولو تعرض أحد أفراد الأسرة إلى مرض بسيط فإنها تعلن حالة الإنذار القصوى في البيت وتعيش في قلق دائم وتراجع الأطباء والصيدليات بحثا عن أحسن دواء يشفي مريضها الذي أصابها في الصميم
فهي تنسى نفسها في خضم معترك الحياة وتجعل منها ضحية للآخرين وتبني سعادتهم على حساب صحتها وسعادتها فأين دور الرجل في هذا الميدان ؟ ولماذا لا يأخذ قسطا من المسؤولية في مساعدة زوجته داخل البيت ولا أقصد هنا الرجال المتعاونين والذين يقدرون دور المرأة ويساهمون معها في التخفيف من معاناتها اليومية وإنما أخص الرجال الذين يجعلون من أشخاصهم تماثيل أو ديكورا فهم مصونون غير مسؤولين وعلى المرأة الولاء التام لهم والعبودية المطلقة لسلطانهم فهم يعيشون في عصر الحريم المظلم
والويل لمن تخرج على تعاليمهم وتسلطهم الأعمى فهؤلاء يمثلون قمة التخلف والغباء ويحاولون فرض عقلياتهم المتخلفة والمنقرضة على سواهم من عشاق النور والحضارة وحقوق الإنسان إنهم سحابة سوداء تحاول محاربة نور الشمس وتعصيب عيون الآخرين لمنعهم من ممارسة الحياة الكريمة في أجواء العدالة والحرية والثقة بالنفس وسيجرف تيار المجتمع الحضاري مثل هذه العقول التي تعيش في أجواء القرون المظلمة البالية والتي تحاول تكبيل المرأة ومصادرة حقها في العيش الكريم وبناء الأجيال الصاعدة .