17 نوفمبر، 2024 7:43 م
Search
Close this search box.

طركاعة إلا تقسيم

طركاعة إلا تقسيم

طركاعة : هيجان عظيم ، واضطراب شديد ، وهي مشتقة من الجذر الثلاثي الارامي ( ط ر ق ) بمعنى يخفق ، يخلط ، يقلق ( الهدوء والسكينة ) ، فنقول طرق البيض ، أو ( طرك البيض ) بمعنى خفقه وحركه و ( طرقا أو طرقاءة ، أصبحت بعدئذ طركاعة – بمعنى تشويش ، اضطرب ، إقلاق ، إزعاج وفوضى ) .

يقول مسعود البارازاني لرويتر :

سألوني عن خططي فقلت : خطتي هي تغيير أتفاق سايكس بيكو ورسم الحدود كما هي الآن في منطقة الشرق الأوسط وأضاف ( العراق ليس حقيقيا فهو موجود فقط على الخريطة , البلد يقتل نفسه , فلا يمكن للشيعة والسنة العيش معا , فكيف يمكنهم أن يتوقعوا أن نعيش معهم ؟ثقافتنا مختلفة , نحن نريد الطلاق ) .

الصراع بين العراقيين وصل إلى الذروة وانتشرت ثقافة ( إلا طحين ) وأصبحت شعار يتغنى به الشيعة في حربهم ضد إرهاب داعش ، وبعد الأحداث الأخيرة ونزوح أهالي الانبار والمعاملة السيئة التي تلقوها في بغداد ونظرية ( الكفيل ) التي انبثقت من العقليات الأمنية التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه الآن ، انتشرت الآن ثقافة ( ألا تقسيم ) بين السنة خصوصا وان الظروف مواتية لذلك في ظل التدخل الأمريكي بتسليح العشائر السنية لمقاتلة داعش ، والحالة الإقليمية التي أدت إلى عاصفة حزم سعودية وتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة وفي العراق بوجه خاص .

يقول موسى الصدر : ( الطائفية تكريس متطور لنظام التعايش القبلي الذي لا يمكن أن يشكل وطنا وان يوحد المواطنين ) ، وبما إن الطائفية في عراق الطائفية صارت الشريان النابض لكل أفراد المجتمع فالسنة على الإطلاق داعش والشيعة على الإطلاق حشد شعبي ومليشيات والذي يقول عكس ذلك واهم أو حالم ، رغم وجود حالات إنسانية رائعة في المجتمع العراقي بين هذه الطائفة أو تلك تعبر الحالة الطائفية في المجتمع إلا انه لا يمكن تعميمها أو إطلاق صفة العموم عليها ، إذا سرعان ما يرجع كل إلى خندقه مع أبناء طائفته في مجتمع وبلاد القانون فيه معطل ولا عاصم ولا حامي من الشر والعوادي سوى الطائفة أو العشيرة . ودعوني سادتي اطرح وجهة نظري وانصب محكمة لتحديد من المسئول عن الذي يحدث الآن في العراق واطرح الحلول كما أرى كمواطن عراقي لا يؤمن بأي طائفة ويكاد يخرج من الدين لان الدين أو القراءة الخاطئة للدين هي سبب كل ( البلاوي والطلايب ) التي مرت بها المجتمعات الإنسانية ومن ضمنها مجتمعنا العراقي ( ما أكثر الذين قُتلوا باسم الله ) ويتحمل رجال الدين في العراق كل الكوارث التي حدثت وتحدث باعتبار أنهم حولوا البسطاء في العراق إلى قطيع يسوقونه حيثما يريدون ، ولا استثني رجال طائفة عن أخرى فكلهم ( الناطقون باسم السماء وورثة محمد نبي الإسلام ) .

العراق قبل العام 2003 كان عراق يحكمه نظام البعث بالحديد والنار وكان الشيعة بالرغم من كونهم أغلبية إلا إنهم كانوا محرومون من ممارسة شعائرهم وطقوسهم الدينية والتي لا تعدوا ( زيارات لمراقد الأئمة ، ولطم ، وبكاء وعويل ، ومواكب زنجيل وتطبير ، وتوزيع التمن والقيمة والهريسة ،……..) واستغرب من العقلية التافهة التي تمنع الناس من ممارسة هذه الشعائر التي في حسابات السياسة لا قيمة لها ولا تأثير على كرسي الحكم ( ولحد يكول ايرا ن وتأثير إيران واستغلالها للشعائر الشيعية ونظرية المؤامرة لان العراقيين الشيعة هم إلي كانوا يقاتلون إيران في حرب الثماني سنوات وردوها خاسرة ) ، في حين إن أبناء الطائفة الثانية ( السنة ) لهم حرية كبيرة في ممارسة طقوسهم بكل حرية وشفافية ، ولكن الذي حدث بعد الاحتلال الأمريكي في العراق أن العملية انعكست فصار الشيعي يمارس طقوسه ويبالغ في ممارستها والتي غالبا ما تكون مدعومة من منظومة الحكم بعكس السني الذي صارت أمامه ألف عقبة وقيد على ممارسة شعائره فكل أصحاب الطرق ( القادرية ،الرفاعية ، النقشبندية ، ….) كان ينظر لهم إرهابيين وتم اعتقال اغلبهم في حكومة اعتمدت الطائفة وأهملت باقي الشعب .

قامت حكومة العراق بعد 2003 بتدمير روح وجوهر المواطنة من أساسها وأحلت محلها مبدأ المحاصصة الطائفية فكان نتاجها أزمة هوية عمت المجتمع العراقي بكل شرائحه وشيوع ثقافة الكراهية للمختلف فكان نتيجة كل ذلك عنف ضرب العراق من أقصاه إلى أقصاه .

السنة في العراق تحولت من فئة حاكمة على مدى قرون إلى فئة مضطهدة من الشيعة الطائفة الحديثة العهد بالحكم والسياسة وقيادة بلد مثل العراق ، حيث إن القادة الشيعة حظوا بفرصة تاريخية لحكم العراق أتصورها لن تتكرر إلا إنهم أضاعوها وأضاعوا العراق حيث حاول القادة الشيعة في العراق أن يتبعوا سياسة البعث نفسها فمارسوا كل أنواع الاضطهاد على السنة ورغم إن السنة لم يتقبلوا ويستوعبوا إن مبادئ الديمقراطية في العالم الحديث والمتطور تقتضي بان يحكم الأغلبية ( الشيعة ) ، ومن هنا واعتمادا على معادلة الفعل ورد الفعل فالعنف الذي مارسه النظام الحاكم في العراق اوجد عنفا مضادا مساويا له في القوة والبطش وما قطع الرؤؤس والتفجيرات الإجرامية التي تقتل الجميع بلا استثناء إلا ترجمة للعنف الذي تمارسه الطوائف إزاء بعضها البعض فاليوم الإرهاب يقتل عشرات الشيعة بتفجير عبوات أو حزام ناسف وغدا يتم قتل عشرات السنة على أيدي الأجهزة الحكومية والأمنية ( يعني توازن قتل وتوازن رعب ) ، يقول ملكاوي : ( داعش ليست نبتا في الهواء ، ولكن الفكر الاقصائي غالبا ما ينتقل من الجلاد إلى الضحية ليحرق المجتمع بأكمله في أتونه ) .

فوصل الانقسام إلى ابعد مدى بعد ظهور تنظيم داعش وسقوط المحافظات السنية بيده وإعلان دولته الإسلامية التي يقودها خليفة سني متطرف يستسهل سفك الدماء وانتهاك الأعراض ووفق قاعدة الفعل ورد الفعل وبنفس الطريقة تم تشكيل الحشد الشعبي وفق فتوى المرجعية الشيعية لحماية المقدسات الشيعية .

الشيعة والسنة على الإطلاق متهمون بالتطرف وبتغليب الطائفة على العراق وإذا استمر هذا الانقسام ونحن نعيش في بيئة إقليمية أنعشت أسواق التقسيم المذهبي والطائفي وتحض على

الكراهية للآخر المختلف معه في الدين أو الطائفة ف ( خلي الشعب العراقي يشوفله ديره ويهج ) لان نار التقسيم والطائفية ستطال الجميع بلا استثناء .

الشيعة ( الروافض ) ستقتلهم السعودية بالتعاون مع إرهاب الجماعات المتطرفة السنية لان مصالحها تقتضي ذلك .

السنة (النواصب ) ستقتلهم إيران بالتعاون مع إرهاب الجماعات المتطرفة الشيعية لان مصالحها تقتضي ذلك .

لقد حول رجال الدين العراقيين من الطوائف المتناحرة إلى خرفان تجتر بدون عسر هضم خرفان تمشي خلف راعي يقودها إلى المجزرة ليبيع لحومها وأصوافها لكل من يدفع أكثر .

كل دول وحكومات العالم تخاف من شعوبها لان الأحرار في الأرض نشروا ثقافة الشعب يريد ، ولا حاكم إلا الشعب ، ولا عاصم إلا الشعب ، إلا نحن العراقيين لا زلنا نُقاد من رجال لا يعرفون ( الجُك من البُك ) في أبجديات صناعة الحضارة والرقي والتطور ،ولا زلنا نعيش في جديلة من الأحق بالخلافة علي أم أبو بكر ونتقاتل على ذلك ، ومظلومية كسر ضلع الزهراء وأفك عائشة .

الجميع بلا استثناء مسئول عن الذي يحدث وسيحدث في العراق الذي يمشي إلى الانقراض والمطلوب من الجميع صحوة حقيقية تقتلع جذور الفتنة بين الشيعة والسنة وتقوم بتفعيل المشتركات فالجميع ( سنة وشيعة ) عرب فإذا فرقتهم المذاهب فبإمكان انتمائهم العربي أن يجمعهم ويوحدهم ( حتى يتلاحجون لرواحهم ) لأنهم والعراق يمثلون الهدف لكل أشرار الأرض . وصدق عمر أبو ريشة عندما قال :

لا يُلام الذئب في عدوانه

إن يكُ الراعي عدو الغنم

رغم الكوارث التي حلت بالعراق إلا إن بصيص الأمل يظهر دائما من بين الركام ليعطينا القدرة على الحياة .

أتمنى أن يتحقق ما قاله حافظ شيرازي الشاعر الفارسي العظيم :

العنقاء ليست صيدا لأحد

فاجمع شباكك ، فكل ما يقع

فيها هو قبض ريح

فعراقنا عنقاء سادتي ولا احد يستطيع صيد العنقاء وكله مرهون بكم ، فأما أن تعبروا أو تغرقوا .

[email protected]

أحدث المقالات