{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
يمثل الشيخ الشهيد محمد حسين البشيري، منبرا مثاليا، لنشر أفكار الشهيد آية الله العظمى محمد باقر الصدر، وسط المجتمع التركماني الأصيل، الذي أصغى له منذ منتصف الستينيات، وهو شاب.. بل يافع نابغة، تميز بعمق الوعي المستمد من معجزة ربانية، متأثرا بوالده.. الشيخ حسين البشيري.
أشره الامام السيد محسن الحكيم “قدس سره” لامحا ألمعيته؛ فتبناه الشهيد الصدر، معتمدا اياه، بين ابناء المجتمع التركماني المؤمن.. الطهور.
آمن بالاسلام سراطا مستقيما الى الله، ومنقذا للإنسانية على الارض، مضحيا لأجلها حد الاستشهاد في مبادئ الإمام الصدر؛ بغية إنتشال الشعب من جور البعث! والجود بالنفس أسمى غاية الجود.
نشأته
ولد في قرية “بشير” العام 1956، بكركوك، وإنتقل خلال الستينيات إلى مدينة “تسعين – تسين باللغة التركمانية” مكملا فيها دراسته الابتدائية، أما الثانوية ففي مركز المحافظة، التحق بعدها بكلية العلوم / جامعة الموصل، التي تركها عند وصوله المرحلة الثالثة، متجها الى دراسة العلوم الدينية في الحوزة العلمية، بالنجف الاشرف.
صفاته
إتصف بشجاعة وذكاء يفوقان التصور؛ تجليا بمساعدته المعارضين للنظام البعثي البائد، على الهروب خارج العراق؛ مادا لهم يد العون لتذليل العقبات وإجتياز العوائق الأمنية والعسكرية، على الحدود، مع دول النجاة.. آنذاك، من حول فظاعة عراق البعث.
عراق مدجج بمصاعب، صرن مصائبَ دمرن الدولة بشعبها وثرواتها وتوالي الدواهي تطحنها سحقا لن تقوم منه.. إعتقالات وحروب وعقوبات دولية وخلافات مستمرة مع دول الجوار، لا سلام مع المحيط الدولي، إلا توافقا على الباطل حتى حين.
فهو حزب لم يجئ الا بالمجرمين والقتلة، الذين تحولوا من بؤر “الشقاوات” الى دفة الحكم؛ متخذين من القسوة دستورا في إدارة البلد؛ لأنهم لا يفقهون منطقا سوى القهر؛ لإثبات آرائهم، من دون حوار وشرح وتبرير ومسببات ونتائج وبديهيات منطقية، تسفر عن مصلحة عامة.. إنهم يفكرون بمنافع شخصية على حساب المجتمع.
الدعوة
إنتمى الشهيد البشيري الإبن، إلى صفوف حزب الدعوة الإسلامية، مرتصا فيه يناضل من اجل النيل من النظام البعثي البائد، وتحرير الشعب منه لإطلاق حرياتهم في الإعتقاد والعمل.
واظب على إلقاء المحاضرات الدينية، خلال شهري محرم ورمضان، في جامع “الثقلان” بمدينة “تسعين” فبرزت بلاغة لسان ورصانة معنى، إرثا من والده المرحوم البشيري، الذي إشتهر بذات الميزان الذهبي الدقيق.. أصال الأفكار الكبرى، بأبسط وأجمل عبارات، يفهمها المتعلم والبسيط، ويتحمسان لقوة الحجة وسلاسة الطرح.
إستشهاده
لم ولن يرق أجهزة الأمن البعثية، إلتفاف المؤمنين.. سنة وشيعة ومسيحيين.. عربا وكردا وتركمانا، حول قائد يستمد فكره من آيات الله.. وعلى رأسهم الحكيم والصدر ومنجم العلم “حوزة النجف” وحزب “الدعوة” من دون ان يخفي إنتماءه المقدس الذي أثر في المجتمع الكركوكلي.. كما أسلفنا بألوان طوائفه وقومياته المتآخية، حول شخص البشيري.
ألقي القبض عليه من قبل جلاوزة البعث، الذين أخذوه عنوة، من مجلس عزاء ابن عمه.. الشيخ الشهيد مهدي إبراهيم، العام 1980، معتقلا في مديرية أمن كركوك، التي حكمت عليه بالإعدام؛ لإنتمائه الى حزب الدعوة الإسلامية، وتأليبه الشعب ضد الحكومة، سرا وعلانية.
ولا أجد أية نظرية في القضاء، تبيح لدائرة أمنية.. يفترض بها أنها تحقيقية، تصدر حكما وتنفذه (!؟) لكن البعث خارج أنطقة العقل.
نقل غروبا الى بغداد، التي وصلها منتصف الليل، وشنق حتى الموت، في قاطع الإعدام، داخل سجن “أبو غريب” ولم تسلم جثته إلى ذويه، حتى هذه اللحظة، تنفيذا لحكم لم يصدر عن محكمة.